من هو السوري..؟!

آلان معيش/ إعلامي كردي سوري_

عندما تسلّقت عائلة الأسد على الحكم في سوريا، بعد انقلابها على كل من صلاح جديد ونورالدين الأتاسي، في بداية سبعينات القرن الماضي، بدأ مفهوم المواطنة السورية بالتبلور يوم بعد يوم وأصبح من الضروري طرح هذا السؤال، من هو السوري؟

استمر حكم الأسد الأب قرابة ثلاثين عاماً وكان الموت هو الرادع الوحيد لتخلي حافظ الأسد عن رئاسة سوريا، ليأتي الابن ويضع زمام الأمور في يده، خليفةً لأبيه الراحل.

في ظل هذا الحكم الاستبدادي، همش الأسدان حقوق عدة شعوب في المنطقة وفرضا قوانين صارمة بحقهم، ومارسا سياسة الرجل والشعب والنشيد واللغة الواحدة على جميع القاطنين ضمن الجغرافية السوريّة.

استمر الحال حتى بدايات عام 2011، حينها ثار السوريون ضد هذا الحكم الذي لا ينتهي إلا بالموت، وطالبوا بتحقيق العدالة والديمقراطية.

كانت أنامل أطفال درعا مهد الثورة السورية آنذاك، لينفجر السوريون في وجه من نصّبوا أنفسهم رؤساء ومسؤولين، آملين تحقيق أهدافهم وشعاراتهم.

وظهرت المعارضة حينذاك ونصّبت نفسها متحدثة ومدافعة عن حقوق الشعب السوري، ولكنها اختارت لغة السلاح وبدأ الصراع يتوسع يوم بعد يوم، إلى أن وصل إلى تصعيد عسكري مفتوح، وبدأت عمليات القصف والقتل والتشبيح.

حدث كل هذا والطرفان يدعيان المواطنة السوريّة الحقيقية وكل منهما يصف نفسه بــ “صوت الشعب السوري”، فسرعان ما لجأ كل منهما إلى دول غير سوريّة ليحقق النصر على حساب الآخر، ولكن لمن ستكون مكتسبات الانتصار في الوقت الذي بات الشعب السوري غائباً تماماً عما يحدث في بلاده؟

تحالف النظام السوري مع كل من روسيا وإيران، ليدمر المدن السوريّة بالبراميل والطائرات والمدافع ويقتل عشرات الآلاف بسلاح وأيادي غير سوريّة، ويُهجّر الملايين ممن وُلِدوا وترعرعوا على أرض أجدادهم، إلى دولٍ لا ينتمون إليها بشيء، ليتربع على كرسي الرئاسة دون مشاكل تعترضه.

بعد مرور 11 عاماً على الحراك الشعبي، الأسد يقفز من موسكو إلى طهران ومن إعلام روسي إلى إيراني، ويهدد الشعب السوري عن طريق منابر إعلامية لا يربطها شيء بحقيقة الشعب السوري، وهنا، من هو السوري؟

لنتحدث عن “المعارضة السورية” التي تبنت شعارات الشعب السوري وفرضت نفسها على السوريين واستغلت معاناتهم، فقط للحصول على كرسي الرئاسة. ضربت هذه المعارضة دماء السوريين الذين استشهدوا دفاعاً عن كرامتهم التي ضُرِبت بعرض الحائط، ودعت تركيا ودول الغرب لمحاربة النظام السوري دون تقديم مشروع يداوي آلام الشعب السوري.

جعلت هذه المعارضة كلٍ من أنقرة والدوحة منابع الحصول على رواتب عالية منابر لاتخاذ الأوامر الخاصة بالجغرافية السوريّة وفرضها على ذلك الشعب الذي كان يأمل عكس ذلك تماماً.

تمكنت هذه المعارضة عن طريق جمع “عناصر” من خارج سوريا من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السوريّة على حساب النظام وذلك بدعم مباشر من تركيا وقطر الهادفتين إلى زرع تنظيمات متطرفة على تلك الأراضي التي يوماً ما كانت تطالب بحقها فقط، ليستعيد النظام تلك الأراضي بدعم روسي وإيراني إلى حكم سيطرته، فقط دفاعاً عن الكرسي الذي أصبح ملك رجل واحد، فمن هو السوري؟

الطرفان يحتلان الأراضي ويستعيدونها تحت اسم السيادة والثورة السوريتين، دون صدور القرارات أو الأوامر بالتحركات العسكرية منهما.

العقلية الإجرامية للطرفان واحدة، فإذا النظام ارتكب مجازر بحق أهالي خان شيخون والغوطة، فالمعارضة ارتكبت مجازر في كل من عفرين وسري كانيه وإن كان النظام يحارب من أجل الحفاظ على العهد الأبوي، فالمعارضة تحارب بالسلاح التركي للوصول إلى ذلك الكرسي.

الدوّامة السوريّة لم تبقَ ضمن جغرافيتها فقط، بل أصبحت مسرحاً لتصفية الحسابات وإجراء تجارب للأسلحة الفتاكة والكيماوية وأيضاً للحصول على النفط السوري وانتزاعه من قلب السوريين، وكل ذلك بمباركة وترحيب الطرفين اللذين يدعيان المواطنة السوريّة.

ولكن إن كان هناك طرف آخر يعارض هذه السياسات وتدخّل هذه الدول وإخضاع السوريين لأوامرهم، هل هو خائن أم انفصالي؟ ما هو تعريف الخيانة بالنسبة إلى الطرفين؟ كيف يمكنهما وصف الانفصال؟ ماهي المواطنة السوري برأيهما؟

سنتحدث عن مناطق شمال وشرق سوريا في هذا الإطار وسنقارن بين تصريحات الأطراف الثلاثة ومواقفهم تجاه الأراضي والسيادة السوريتين.

تقول الإدارة الذاتية إن تدخل الدول في الأزمة السورية عمّق جراح الشعب السوري ولا حلول لهذه المعضلة إلا بحوار سوري- سوري وعلى الأرض السوريّة، في حين أنها ترفض وتواجه التدخّلات التركية التي تهدف إلى انتزاع مناطق من سوريا لمصلحة الجمهورية التركية الذي هو بالحقيقة حلم قديم بالنسبة إلى الأتراك.

حارب الجناح العسكري للإدارة الذاتية (قوات سوريا الديمقراطية) وجابه أشرس التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم (داعش) وتمكن من إيقاف تمدد مرتزقة التنظيم إلى مناطق أخرى من الجغرافية السوريّة.

توجهت المعارضة بأوامر من تركيا لمحاربة مناطق الإدارة الذاتية تحت مسميات كثيرة منها، وجود “تنظيمات إرهابية” على الحدود التركية، وهنا يكمن السؤال، ما هي المواطنة السورية بالنسبة للمعارضة نظراً لهرولتها لحماية الأمن القومي التركي، وتتغاضى عن الأمن القومي السوري؟!

يقول النظام السوري إن هذه المناطق لديها مشروع انفصالي عن الجغرافية السوريّة ويجب تحرير مناطق شرق الفرات منها (الإدارة الذاتية)، وهنا نتساءل، على أي أساس يتكلم النظام عن انقسام سوريا؟ هل تمكن من الحفاظ على الجغرافية السورية موحدة على مر السنوات العشر الماضية؟ هل تمكن من توحيد الأراضي التي يسيطر عليها دون الأخذ بعين الاعتبار حصة كل من روسيا وإيران؟ وكيف سيحارب النظام قوات الإدارة الذاتية، هل بسلاح روسي أم إيراني؟ من هو السوري في هذه الحالة أيضاً؟ لنتكلم عن المناطق التي تسيطر عليها الأطراف الثلاثة!

المعارضة ترفع صور أردوغان وتسميّ مدارسها نسبة إلى التاريخ التركي وتتبنى اللغة التركية كلغة رسمية في مناطق سيطرتها في حين أن النظام يرفع صور كل من بوتين والخامنئي، ويطلق على مدارسه أسماء جنود روس قُتِلوا في سوريا، فيما يتخذ القرارات بناءً على الأوضاع التي تمر بها الدول المذكورة.

أما الإدارة الذاتية فتدرّس اللغات الكردية والعربية والسريانية (المكونات الأساسية في شمال وشرق سوريا) في مدارسها وتُطلق أسماء المقاتلين/ات الذي فقدوا/ن حياتهم/ن في الحرب ضد داعش على مدارسها وساحاتها الرسمية ولم ترفع صورة جندي أمريكي أو رمز يعود إلى تاريخه، رغم الشراكة القوية في محاربة الإرهاب، فمن هو السوري هنا أيضاً؟

النظام يريد تحرير الأراضي من المعارضة والأخيرة تتلذذ بمحاربة الكرد وأيضاً تريد الحكم في سوريا، والطرفان يتبعان لدول لا تريد سوى فرض مصالحها على الشعب السوري عن طريق إبرام اتفاقيات على حسابه، في أستانة أو سوتشي وغيرها من المنصات الدولية، أما الثورة السورية فدُفنت تحت الركام الناتج عن القصف البربري من قبل الدول التي لا تنتمي إلى سوريا ولو بطفلٍ واحد! برأيك من هو السوري؟