الفوضى الخلّاقة بين النظرية والتطبيق (3)

 رجائي فايد_

 الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تسببت في تحول النظام العالمي إلى محورين، أحدهما تقوده الولايات المتحدة والآخر تقوده روسيا، بمعنى أن العالم تحول من قيادة القطب الواحد إلى  ثنائي القطب وما يترتب على ذلك من شحذ كل طرف ما يمكن شحذه من قوى، لتمكينه على الآخر ليتحكم في النظام العالمي.

القيادة الأمريكية يقودها رجل طاعن في العمر، لكنه مسلح بمراكز أبحاث وخبراء، في حين يتولى قيادة روسيا (منفرداً) رجل مخابرات عتيد، يجيد فن المناورات وربما التآمر. هذه الحالة المستجدة جعلت أولويات صنّاع القرار في الولايات المتحدة في تلك الحرب، وربما العودة من جديد إلى نظام القطب الواحد، أو حتى بالقرب منه.

أما فيما يتعلق بمسألة (الفوضى الخلّاقة)، فتم تأجيل البت فيها وتفعيلها لأن هناك ما هو أهم وفق فقه الأولويات، خصوصاً أن هناك تخلخل حدث في معسكر الولايات المتحدة (مراجعة تحولات الموقف السعودي من الولايات المتحدة واعتماد الروبل إلى جوار الدولار في التعامل المصري). إذاً فلدينا فسحة من الوقت نراجع فيها ما كان الجانب الأمريكي يضمره لنا (شعوب الشرق الأوسط التعيس) وترتيباته في ذلك، وما يجب علينا أن نفعله، أملاً بأن ننعم بما ينعم به غيرنا من حكومات رشيدة.

ولو بحثنا في عناصر الفوضى الخلاقة كما نظرها مفكرو الغرب، سنجد أنها تنطبق على عالمنا، بمعنى أنها لم تنظر إلا من أجلنا، والتي بدراسة النسيج القومي لبلادنا من كافة النواحي، والذي تقوم به مراكز بحثية نشطة لتكشف عن مدى الفروق الهائلة بين مكونات ذلك البلد ومن ثم تضخمها وفي سبيل ذلك لا تبذل جهداً كبيراً في هذا الصدد خصوصاً أن القائمين بحكم تلك البلاد، يصرون على ترديد خطابهم الإعلامي بأن وطنهم خيمة واحدة تضم الجميع، دون أي مراعاة لتك الفوارق العرقية وما يترتب عليها من فوارق في الثقافات الاجتماعية والثقافية، وهذا ما يجب أن يكون كي يصبح المجتمع الوطني بأسره بالفعل خيمة واحدة لكنها تتميز بتناغم مكوناتها بألوان قوس قزح.

إن حماقة الحكام التي أعيت من يداويها، سهلت على منظري الفوضى الخلاقة خطواتها اللاحقة، فتقوم بتصفية العناصر الوطنية الذين يدركون طبيعة مكونات مجتمعهم والذين يبحثون عن مخرج وطني لأمراض الوطن وهؤلاء يجب التخلص منهم، إما بالاغتيالات أو بشراء الذمم وكل هذا يصب في اتجاه واحد هو إضعاف سلطة الحكم حتى تتفرغ لنهب الثروات، وتفريغ الوطن من كل مقدّراته الصناعية والزراعية كي يصبح المواطن مستهلكاً حيث يفقد قدرته على الإنتاج في الوقت الذي يدفع الثمن من موارده المدفونة في باطن الأرض من نفط وغاز ومعادن ومن ثم تضعف إرادته أمام القوى المهيمنة، ويتسوّل ما تجود تلك القوى عليه من معونات.

ولاشك أن هذه المنطقة مهيئة لتطبيق تلك النظرية، فالمجتمع أصبح رخواً ولم تعد لديه قدرة على الإنتاج وكل حاجياته من غذاء وكساء ودواء بل وأمنه وفق إرادة أصحاب تلك النظرية، احتياجاته تأتيه من الاستيراد من الدول التي تنهب ثرواته أما الأمن فتوفره لحكامهم دون شعوبهم لضمان ولائهم لها وفي الوقت المناسب تتكفل ترسانة أمريكا وأساطيلها بالتدخّل ليصبح الوضع كما تهوى (الحالة العراقية) والأمثلة عديدة في كيفية تطبيق تلك النظرية فكل دولة لها التطبيق المناسب ولننظر في عالمنا الشرقي التعيس لنجد الحالة اليمنية، والحالة الليبية، والحالة السورية، والبقية آتية لاريب في ذلك، طالما بقيت أوضاعنا على هذا الوضع.

يقول الإمام الشافعي:

كل داء له دواء يُستطاب به …إلا الحماقة أعيت من يداويها