No Result
View All Result
المشاهدات 2
رجائي فايد
كان المحور الثاني الذي حاولت بكل جهدي أن أنجح فيه هو التقريب بين شتات التنظيمات الكردية المختلفة، وبين حين وآخر كانت تلوح في الأفق بعض الومضات الموحية التي أستبشر منها خيراً بأنه قد تكون تلك بداية زخات المطر الذي سرعان ما قد ينهمر، ليستمر كل الكرد في شتاتهم في نعيم المودة والتكاتف فالكل مصيرهم واحد وأملهم متوحد، لكن بكل أسف تمضي تلك اللحظة ليعود الجميع إلى ما كان.
حدث ذلك عندما عبر عشرات من مقاتلي البيشمركة (فيش خابور) إلى سوريا للمشاركة في قتال عدو مشترك (داعش) ورغم أن تلك المشاركة كانت رمزية، إلا أنني بتفاؤلي الساذج أنها ربما تكون بداية التحرك التضامني ولكني بهذا التفاؤل الساذج كنت كمن يغرد خارج السرب، إذ عاد الجميع بعد دحر (داعش) إلى سيرتهم الأولى من السباب والبذاءات والعداء المحتدم (حالة من حالات الحول السياسي الذي يتوه فيه الإنسان عن هدفه الأصلي)، والبحث عن أحد يسانده حتى لو كان من الأعداء التقليديين للكرد (لو بحثت في ضمير كل كردي لوجدته يشير إلى تركيا)، وأصبح حال الكرد (أنا والغريب على ابن عمي وأنا وابن عمي على أخويا).
وعندما يرد حديث عن أمل الكرد في كيان خاص بهم يرجعون الأمر إلى المؤامرات الدولية، وكأن العالم شغله الشاغل والوحيد هو منع قيام هذا الكيان وليس لديه من شيء سواه ولأني أتحدث حالياً عن وضع الكرد وليس عن غيرهم لأننا لو نظرنا حولنا، لوجدنا تلك الحالة تكاد تنطبق على الجميع، لكن هذه الدول بعكس حال الكرد لذلك كنت أتمنى بسذاجتي أن يتوافق الكرد عند الحد الأدنى في شكل كيان يتفقون عليه، أيّاً كان الشكل القانوني لهذا الكيان، أن يكون الإقلاع عن الشتائم والاتهامات بالعمالة لأطراف أجنبية، والمثل المصري يقول (لا تعايرني ولا أعيرك، فالهم طايلني وطايلك).
كنت أتمنى بنفس التفكير الساذج، الإقلاع عن البكائيات لأن العالم لا يعترف إلا بالقوي الذي يؤثر في الأحداث، كنت أتمنى في توظيف طاقاتكم المهدرة في البحث عن طريقة للمّ الشمل فيما بينكم بدلاً من البكائيات التي لا طائل من ورائها والتنابذ بالاتهامات فيما بينكم، ودائماً هو إلقاء اللائمة على الغير بمؤامراته، ليصبح الكرد حينئذ ضحايا قوة لا غالب لها، ومن الأفضل التحالف معها (وكيف لضعيف أن يتصور أن العلاقة مع الأقوى لن تكون سوى علاقة تابع بمتبوع).
لكن بكل أسف اتضح لي (بعد فوات الأوان) إن لغة المصالح تتغلب على الهدف الأسمى للكرد وهو كيان يجمع شتاتهم، ونتطرق إلى وضع مأساوي يوضح إلى ماذا وصل إليه حال الكرد؟ فالعداء المحتدم بين الإدارة الذاتية لـ (روج آفا) و(المجلس الوطني الكردي)، وكلاهما يضم عدة أحزاب كردية، في التباين الأيديولوجي الواضح فيما بينهما (والأهم في المصالح)، حيث ترتبط كلاهما بمحورين متضادين فـ (روج آفا) تتبنى أيديولوجية (أوجلان) (المجتمع الديموقراطي وأخوّة الشعوب)، كما ترتبط بالحرب التي تدور رحاها بين حين وآخر في جبال قنديل بين مقاتلي (حزب العمال الكردستاني) و(الجيش التركي)، وبالتالي فهي تناصب تركيا العداء (تعتبر تركيا مجلس سوريا الديموقراطية إرهابيين وتسعى للقضاء على تجربتهم). في حين يرتبط (المجلس الوطني الكردي) بإقليم (كردستان العراق) وبالتحديد بـ (الحزب الديموقراطي الكردستاني) والذي يرتبط بتركيا على أساس وهم تأمين الإقليم من خلال دعم الجار الشمالي القوي (تركيا).
وإذا كان (المجلس الوطني) ينضوي تحت محور (الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبالتالي التركي) والذي يعتبر (الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا) منظمة إرهابية ينبغي معاداتها، ومن ثم القضاء عليها (الحصار الخانق إرضاء لتركيا)، ولو تخلى عن ذلك المفهوم سيضحي بالعلاقة مع تركيا وهو ما يقترب من المستحيلات وفق رؤيتهم، لذلك فإن جهود المصالحة تصطدم بتركيا التي تسعى لوأد أي محاولات تصالحية.
ومن جديد أعترف بأني فشلت، وجاء في كتاب (كليلة ودمنة): «لقد أُكلت يوم أكل الثور الأسود».
No Result
View All Result