سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

حلاق على كرسي متحرك… حكاية الناجي الوحيد من قصف على غزة   

على كرسيه المتحرك يتجول معاوية في صالون الحلاقة، يجمع الأدوات التي يستخدمها في تصفيف شعر زبائنه على طاولة صغيرة لتكون قريبة منه عندما يبدأ عمله، في محاولة منه للتعايش مع حالته الجديدة بعد أن بُتِرت قدمه اليمنى، وأصيبت الأخرى بتهتك في العظم يصعب علاجه.

في القتال العسكري بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل الذي دار في أيار 2021، تعرض معاوية لشظايا صاروخ إسرائيلي استهدف سيارة بالقرب من صالونه، وعلى أثر هذا الحادث تحوّل من شخص سليم إلى معاق حركياً يتجول على كرسي متحرك.

محظوظ

أجرى الأطباء 38 عملية جراحية لمعاوية أزالوا خلالها الشظايا التي اخترقت جسده، لكنهم لم ينجحوا في إنقاذ قدمه اليمنى من البتر.

يقول إن عظام قدمه اليسرى مهترئة، وهي بحاجة إلى جراحة معقدة لا يمكن إجراؤها في غزة، وإذا لم تتم فإن مصيرها البتر هي الأخرى.

على الرغم من ذلك كله، فإن معاوية يعد محظوظاً بشكل لا يُصدق، فهو الناجي الوحيد من الغارة الجوية التي كانت قريبة من مكان عمله، ويستذكر ذلك قائلاً: “لم أصدق أنني لا أزال على قيد الحياة، وهذا الأمر يجعلني أتقبل رحلة علاجي الطويلة الشاقة مهما كانت مؤلمة”.

تقبّل معاوية حالته الجديدة، ولم يستسلم لبتر قدمه، ودفعه عشقه لمهنة الحلاقة إلى العودة لعمله في صالون الحلاقة، على الرغم من عدم إنهائه رحلة علاجه المستمرة منذ أكثر من عام، لكن ليس هذا السبب الوحيد الذي قرر من أجله مواصلة عمله، فالظروف التي يعيشها هو وسكان غزة تجبره على مواصلة مهنته تحت أي ظرف صحي أصبح يعيشه.

تأقلم مع الحالة

وفي غزة، هناك نحو 130 ألف فرد من ذوي الإعاقة، ويشكلون ما نسبته 2.4 في المئة من مجمل سكان القطاع، ومن بينهم 40 في المئة يعانون إعاقات حركية في الأطراف السفلية، ووفقاً للقانون الفلسطيني فإن المؤسسات الرسمية مكلفة رعايتهم وتوفير حاجاتهم وتشغيلهم في مهن تناسب ظروفهم.

على أية حال، تأقلم معاوية مع ظروفه الجديدة في مهنته، وتقبله المجتمع كما هو، وما إن يستقبل الشاب أحد زبائنه يهم بتحريك كرسيه المتحرك، ويبدأ في تجميع معداته، ثم يطلب من الزبون الجلوس بأريحية.

وجالساً كما يجلس الزبون يمارس معاوية مهنة حلاقة وتصفيف الشعر، ويصف عمله بوضعه الحالي بأنه ممتع إذا تناسى معه حالته الصحية. ويقول إنه يبدع في تجهيز الزبائن ويقدم لهم جميع ما يحتاجون من دون أن يشعروا بتغيير عن حالته قبل الإعاقة.

يتابع: “اشتقت إلى صوت الماكينة، وأمسك يدي اليمنى للمقص، واليسرى للمشط، إنني أمارس مهنة أحبها، وأعمل بها منذ 20 عاماً، وأتقن مهاراتها، وأتعلم منها دروساً وعبراً”.