No Result
View All Result
المشاهدات 0
درجته الوظيفية حسب ترتيب الوظائف في مصر (رئيس وزراء)، لا يأخذ راتباً من الدولة، حيث تنازل عنه بكل مخصصاته، وحتى لا يصبح هذا الراتب الشهري بمخصصاته الهائلة سيفاً على رقبته، تجعله يحيد عن رسالته ويخضع للأهواء، فأنه اكتفى براتبه التقاعدي الذي كان فيه رئيساً لجامعة الأزهر.
كل طلباته في الحياة، كما صرّح (رغيف خبز وطبق فول). يقيم في شقة متواضعة بالإيجار ورفض أن يقيم في شقة فاخرة خصصتها له الدولة. يعيش وحيداً بينما تقيم زوجته في مدينة الأقصر ويذهب لزيارتها كل أسبوع. يرفض أن يستخدم سيارة الحكومة في غير أوقات العمل ويسافر للأقصر بسيارته القديمة. بهذا السلوك يقتدي بمشايخ الأزهر العِظام الذي كان لكل منهم موقف مع الرجل الأول في الدولة سواء إن كان ملكاً في العصر الملكي أو رئيساً في العصر الجمهوري.
أذكر في هذا الصدد واقعتين، الأولى منهما؛ في العهد الملكي إذ أراد الشيخ الجليل (عبد المجيد سليم)، شيخ الأزهر حينئذ تقديم دعم للأزهر بمبلغ (عشرين ألف جنيه) ورفضت الحكومة هذا الدعم في حين أن يخت الملك (المحروسة) يتم ترميمه في إيطاليا، وهنا قال الشيخ الجليل: «تبذير هناك وتقتير هنا» وقدم استقالته.
أما الواقعة الثانية، فكانت في عهد (حسني مبارك)، وكان شيخ الأزهر آنذاك، الشيخ الجليل (جاد الحق عبد الحق)، وكانت البنوك المصرية بأزمة مالية، وهنا توجه (مبارك) في اجتماع عام بحديثه إلى شيخ الأزهر، (يا مولانا أريدك أن تصدر فتوى، تحث المواطنين على إيداع أموالهم في البنوك)، وانتفض الشيخ الجليل غاضباً وقال: «وهل أنا الذي يفتي؟» وهنا تراجع (مبارك) قائلاً: «أنا كنت بهزّر يا مولانا»، واستطرد الشيخ في غضبه، وقال: «وهل يليق الهزر في محمل الجد؟»، وسكت (مبارك).
هذا التراث الضخم كان يحمله على أكتافه (الإمام الأكبر للجامع الأزهر، الدكتور أحمد الطيب). إن الأزهر الشريف كان أقوى قوة مصرية ناعمة، فمن إندونيسيا وجزر المالديف إلى مشارف أوروبا يتبنون فكره وهو الفكر الأزهري الوسطي. السؤال هو، هل استفاد الكرد أيّاً كانت توجهاتهم وفصائلهم من هذه القوة التي تفتح ذراعيها مُرحبة لأي طارق لأبوابها؟
كان هناك حدث هام للتواصل عندما لبى دعوة أحد المكونات الكردية، هذه الدعوة التي وجهت للأزهر الشريف، وأوفد وكيله (الشيخ محمود عاشور) وأثمرت الزيارة بنتائج طيبة في مجال التعليم الأزهري لكن اكتنف ذلك بأمرين، أولهما؛ اعتُبِرت تلك الزيارة كنصر للمكون الكردي صاحب الدعوة وليس تواصلاً كردياً مع الكرد كافة، إضاقة إلى أنها أخذت منحىً سياسياً والأزهر الشريف يعلو بقيمه على الدخول في المجال السياسي. وثانيهما؛ اكتنفت هذه التجربة مشاكل كانت كفيلة بوأدها.
أنا لا أطلب من الكرد تبنّي فكر الأزهر، ولكن كان يجب الاستفادة من هذه القوة الناعمة التي يمثلها الأزهر الشريف لتصبح جزءاً من أكثر من مليار مسلم. أعلم أن هناك بعض القضايا العقدية التي تكتنف ذلك، والكياسة تتطلب أن أتمسك بالمشتركات وننحي جانباً النقاط الخلافية التي لن تنال من الأزهر، أما البذاءات فإن الأزهر يترفع عنها ومطلقيها كمن ينطح في الصخر إذ لن يصيب إلا قرونه.
ومن جديد أعترف أني قد فشلت، وقال لي صديق: “يكفيك شرف المحاولة”، لكني كنت أتمنى أن أتجاوز مرحلة شرف المحاولة، لذلك أقر وأعترف أنني فشلت.
No Result
View All Result