No Result
View All Result
المشاهدات 0
يقول نزار قباني (لو أني كنت أعرف أن البحر عميق جداً ما أبحرت) لكني لم أخذ بنصيحته وكدت أغرق، كنت أتمنى أن أحقق الممكن ولكن اتضح لي أن ما كنت أتمناه كان مستحيل التحقق، وفي أيامي المتبقية من عمري تيقنت أن كل ما بذلته من أجل تحقيق ما كنت أتمناه قد تبدد وعمري قد ضاع من أجل أوهام مستحيلة التحقق، كان حلمي الدائم يتلخص في محورين (العلاقات العربية وبالذات المصرية الكردية)، لأني تصورت أنه بجب أن يكون المكون العربي هو الحاضنة بحكم التاريخ للكرد، والمحور الثاني هو (المصالحة الكردية الكردية) على أساس أنه من المستحيل أن تتحقق أمنيات الكرد المشروعة، وهم في شقاق دائم (أمة في شقاق)، ولأني لا أملك سوى الكلمات فقد بذلت كل ما أستطيعه من تلك الكلمات التي ذهبت أدراج الرياح، كما يقول أهل الشام مجرد (طق حنك)، ونأتي إلى المحور الأول (العلاقات العربية والمصرية بالذات الكردية)، فبعد تواصل مع القيادات الكردية في زياراتهم للقاهرة شاركت في مؤتمر الحوار العربي الكردي، وربما الأخير حتى الآن.
وفي رأيي أن هذا المؤتمر كان مجرد كلمات وخُطب ولم تضف إلى ورش عمل تناقش المسائل العقدية ولكنها كانت بداية لما يجب أن يكون، فضلاً عن أن السلطات المصرية قامت بالتعتيم على هذا المؤتمر وكأنه عورة على نيل القاهرة، بعد ذلك بدأت الزيارات الكردية للقاهرة بل وتم فتح مكتب للاتحاد الوطني الكردستاني ما يُبشر ببداية حقيقية لتلك العلاقات لكن واجه ذلك القيود التي وضعتها السلطات المصرية، وكان من الممكن تخطي ذلك بقليل من الكياسة ولكن ذلك هو المتاح حينئذ.
لم يفطن الكرد أن هناك قوى ناعمة مصرية لها تأثير على المدى الطويل، والتطرق إلى هذه القوى يبتعد عن صرامة الضوابط المصرية، ومن أهم تلك القوى الفنون المصرية والأزهر الشريف بقيمته ومكانته، وعن الفن، فإن الفن المصري كان يحظى بمكانة هامة لدى الكرد، ولكن ما حلّ بالفن المصري من تردٍ، فبعد عصر أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وروائع أسامة أنور عكاشة وغيرهم، حلّ على مصر ما يُسمى بنجوم المهرجانات الذين يحصدون الملايين لأغانٍ وكلمات تافهة وربما بذيئة، وأصبح نجوم الساحة (شعبان عبد الرحيم وحمو بيكا وحسن شاكوش وكزبرة إلخ)، مما أعطى مجالاً للفن التركي بمسلسلاته الجذابة وإبهاره، ليزيح الفنون المصرية لصالح الفن التركي، وبذلك فقدت مصر؛ أهم قوة في قواها الناعمة.
وبالرغم من هذا كانت هناك بعض المحاولات من استضافة بعض الفرق المسرحية المصرية لكن ذلك بجهود فردية وليس عملاً مؤسساً (جهود الأخ ملابس رؤوف) إنني أحمّل الجانب المصري مسؤولية ذلك لأنه بسبب هذا المناخ المتردي جعله ينحسر في الوجدان الجمعي الكردي، وهي أهم قوة ناعمة مصرية، والقوة الناعمة الأخرى، هي الأزهر الشريف والذي يدين له بالعلم ووسطية الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، والحديث عن الأزهر متواصل، وما دمنا نتحدث عن مسؤولية الجانب المصري فلابد أن نتعرض للمسؤولية الكردية في ذلك.
وأذكر واقعتين حدثتا معي وللقارئ الحق في استخلاص ما شاء منها. الواقعة الأولى، كان في زيارة للقاهرة أحد القيادات الكردية، ورتبت له لقاء مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وكان اللقاء في التاسعة صباحاً، وذهبت إلى الفندق، وفوجئت به يقول (مش بكير!) وكأنه ذاهب للقاء شخصاً عادياً وبعد إلحاحي عليه خوفاً من ضياع الموعد نزل وهو ممتعض، وبعد اللقاء لامني بشدة لأني لم أعطه فرصة للتسوق، وكأن الهدف الرئيسي للزيارة هو التسوق، وعندما عاد تجلى في لقائه بالإمام الأكبر ولم يذكر شيئاً عن الجانب المصري الذي كان وراء هذا اللقاء.
والواقعة الثانية اتصلت بي قيادة كردية وأعلمتني أنها ستحضر للقاهرة وتطلب برنامجاً إعلامياً لها ورتبت لها برنامجاً مكثفاً (قناة النيل للأخبار، وثلاثة مراكز بحثية) وعند عودتها تحدثت عن إنجازاتها في القاهرة دون أن تذكر الجانب المصري الذي كان وراء ذلك، وتعرضت للّوم عندما كتبت أن ذلك كان بجهد خاص مني، واكتفى بذلك.
No Result
View All Result