سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

بدر شاكر السّيّاب شاعر الحبِّ والاغتراب

عبد الله رحيل 

             
المطر ملأ عيون السماء، والمساء، تتكرّر ولادة ذرّاته من أجفان غيوم سائحة، تنثرها أحلاما خافتة؛ فتغتال حمى الجفاف الذهبي، وتروي شبق العشاق والسنونو، ولكن جيكور ظلّت تأمل بزوغ فجر جميل، موشّى بابتسامة ثغر طفولي بريء لطيف، يمدّ يده إذا لاح القمر، “جيكور أشجارها دائم الخضرة، كأنها أعمدة من رخام، لا عُريَّ يعلوها، ولا صُفرة، وليلها لا ينام”، شكّل خافقها أهوار البصرة والرصافة، لأنّها ولادة متجدّدة، وهي عقبة عبورة نحو آفاق أخر، تفيض بالحب وبالنماء، تمازح أنغاما حلوة من عذب الغناء.
جَيْكُورُ سَتُولَدُ مِن جُرْحِي
مِنْ غَصَّةِ مَوْتِي، مِنْ نَارِي
سَيَفِيضُ الْبَيْدَرُ بِالْقَمْحِ
وَالْجُرْنُ سَيَضْحَكُ لِلصُّبْحِ
وَالْقَرْيَةُ دَارًا عَنْ دَارِ
تَتَمَاوَجُ أَنْغَامًا حُلْوَهْ

في الواقع المتجدّد لجيكور، يجدّد معه السياب عشقه للحياة، ويجدّد الطبيعة، والولادة، ويتهادى الموت بعيدا عن أسقف السعادة، لتصبح الكلمة وحدة الربيع والسقيا والنماء، وعصفورة المساء، وبلابل الأصيل، ويحاكي الشعر قرية جيكور؛ ليمتثل في ذهن السياب الطبيعة والبراءة، والنقاء والصفاء، فيتشكل ضحى جيكور نقدا موازيا للحياة المليئة بالقساوة والغربة.
ومن رحم الغيوم المتّشحة بالسواد الحالك، المثقلة بهموم البائسين، والأرامل، والرّضّع، تتحدّر أنشودة المطر، تلفّ أرجاء المدينة بسور من الأمان، ومن الفرح، كحبال غليظة، تروي ظمأ جيكور؛ فلعلّ مطرها يعيد طهر المدينة، وبراءة الرُّضَّع والنساء، ويترنّم في شاطئ الخليج:
 وتلتفُّ حولي دروب المدينة
حبالًا من الطين يمضغن قلبي
ويعطين، عن جمرةٍ فيه، طينة
حبالًا من النار يجلدن عُرْيَ الحقول الحزينة
ويحرقن جيكور في قاع روحي
ويزرعن فيها رماد الضغينة
ثم تصبح جيكور أنشودة المطر، وتصبح العراق بأغواره، وأنجاده، وبالأهوار، والمراكب، والقوارب، وحدو الصيادين، لتملأ المرأة جيكور جفني العراق، بوابل من غزل، ومن نرجس، ومن خير وفير، وقد نأى البدر عنها، تاركا جفنيها في ظلام وسط غابات النخيل.
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء… كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر
كأنما تنبض في غوريهما، النّجومْ…
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف،
والموت، والميلاد، والظلام، والضياء؛
فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاء
ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء
كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر!

ولعل توارد الذات الإنسانية في الغربة المتواترة، التي تعجّ بالنشيج والاغتراب، وهذا الاغتراب، الذي يولّد الإبداع، والحياة، لكنه نموذج ممزوج بالسكون، كالسماء الملغّمة بالغيوم، لكنّها تأبى المطر، فكان السياب في حالة تداع حر، فهو يحدّث الخليج الممتد بالأوجاع، وبالغرائب، فلا أحد يسمعه، فهو بعيد عن العراق، وعن جيكور؛ لعله يشفى من الأوجاع، من خلال مزج الشفاء النفسي، فماله سوى كلام المريض.
فالريح الجالبة للهلاك، والضياع، والخوف، والفزع، لاهثة في الهجيرة، مؤلّفة رباعية الأحزان، والعذاب، والحزن، والكآبة، فلبسها السياب جميعا؛ لقسوة الطبيعة المحيطة به، وكأنّه لهث وراء انجرار انفعالاته المتزايدة في المرض والغربة، والخلاص والرحيل:
الريح تلهث بالهجيرة كالجثام على الأصيل
وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل
زحم الخليج بهنّ مكتدحون جوّابو بحار
من كل حاف نصف عاري
وعلى الرمال على الخليج
جلس الغريب يسرّح البصر المحيّر في الخليج
ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج
أعلى من العباب يهدر رغوه ومن الضجيج
صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق
كالمدّ يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي عراق
والموج يعول بي عراق، عراق، ليس سوى عراق

ويستخدم السياب الأزمنة، وينوعها، فيستحضر حدثا من الزمن الماضي، ويأتي بآخر من الزمن الحاضر، فيخلط بين الأزمنة عن طريق الاسترجاع، والاشتياق فتتغير الأزمنة، حسب مقتضى الأحداث والمضمون:
الليل يُطْبِقُ مرة أخرى، فتشربه المدينة
والعابرون، إلى القرارة مثل أغنيةٍ حزينة
وتفتحت، كأزاهر الدفلى، مصابيح الطريقْ
كعيون “ميدوزا” تحجِّر كل قلب بالضغينة،
وكأنها نذرٌ تبشر أهل “بابل” بالحريقْ
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوفْ
من أي وجر للذئابْ؟
من أي عش في المقابر دفَّ أسفع كالغرابْ؟
فيطهر الاسترجاع تقنية روائية، استعان بها السياب في قصائده من خلال التسلسل الزمني للأحداث، والعودة من اللحظة الحاضرة إلى بعض الأحداث، التي وقعت في الماضي، وهذا الاسترجاع يتجلّى في مشهد المومس العمياء:
 ويمرّ عملاق يبيع الطير، معطفه الطويلْ
حيران تصطفّق الرياح بجانبيه، وقبضتاهْ
تتراوحان فللرداء يدٌ وللعبء الثقيلْ
يدٌ، وأعناق الطيور مرنّحات من خطاهْ
تدمى كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاة
خطواته العجلى، وصرخته الطويلة: يا طيورْس
هذي الطيور، فمن يقول: تعال؟
والمرأة مثل جيكور بعيدة، مثل العراق الكئيب، واقع بالسراب، غائص بين أحضان الأصيل، تغرب شمسها سريعا، كلما أشرقت، هي نجمة حرقى في ناي عذابه الطويل السرمدي، جوهرة ضائعة على شواطئ شط العرب، تحوم لها النسور، فلا تدركها كانت أملا في دراسته، ثم انقضت، وبعد لأي تربتُ على كتفيه امرأة ثرية نبيلة، تخفق لها عيونه، ويرتعش لها قلبه، وتتلعثم شفتاه بمرآها، ترغب بشعر غزلي مسترسل جميل موزون، كقامتها الشامخة، فدفع لها عطايا الغزل، ثم تلاشت في سراب دربه الطويل؛ فاستوقفته في نخل العراق وأهواره، قُروية جميلة، بريئة ترعى البهائم، وتغرّد لخرافها أغنيات الحب العذبة، والعصا توردها راية حب شهية، فيعلو حب الريف قلب السياب الفارغ، اللاهث وراء الكلمة والشراع، لأجلها يطوي البيد والبراري، تردّد أنغامه الضائعة؛ ليكتب قلبه الكئيب في الناي لثغة الشحرور، لكن سرعان ما تخدعه النشوة البارقة، ليرجع للشكوى من جديد، كصَبٍّ مُبتلى، فيبقى مثل ديوانه الشعري، مليئا بالغزل، وبين العذارى يتنقل؛ لترفّ في جنباته القبل:
أحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً، مما يلاقي، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما،
السماء البكرُ من ألوانه آناً، وآنا
لا يُنِيلُ الطَّرْفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوءِ السجينِ؛
أهو حُبٌّ كلُّ هذا ؟! خبّريني
هذا الانتظار المنشود، الذي دفع السياب أن ينظر إلى المرأة نظرة الفاقد الباحث عنها، والذي ربما لا يجدها مهما بلغ من هوى معنى، فهو الذي غنّى للحب كثيرا، لم يتح له أن يعرف حقيقة الحبّ، فلم يكن من الوسامة ما يُغري به الجنس الآخر، أما مركزه الاجتماعي، والاقتصادي، فكان أدنى ما أن تطمع فتاة بالاقتران به، ولعله الحب في تلك الأثناء، كان مبنيا أساسا على الرغبة في الزواج، وتكوين أسرة، وما عداه فشيء عابر.
على الشاطئ أحلامي
طواها الموج يا حبّ
وفي حلكة أيامي
غدا نجم الهوى يحبو
ثم يعود لجيكور، تاركاً حسناء دار المعلمين؛ بسبب سياسة العراق النائية، ليجني الكآبة، والنحول، ويبقى في رحيل بين مقل النساء، والجميلات، ويعيش محروم الفؤاد من الهوى، عيش الذليل، فيلتقط المحار محارة محارة، لعل لؤلؤة ستبزغ منه كالنجمة، لكنه لا يجد سوى الماء والطين، يقطران من صدف المحار؛ لأن جميع من أحب قبلها، ما أحبوه.
وبقي لسان السياب، اللذيذ الرمزي المُعمّق، يصدر عن خصوبة المخيلة الشعرية، فقد منح شجرة الشعر العربي روحاً جديدة، وأغصاناً خضراء نَضِرة، بعد أن جفّ عود شعر الشطرين، وقد تفرّد لفظ السياب، من بين الشعراء المحدثين، أنه منح الأمكنة، التي عاش فيها، مثل قريته (جيكور)، ونهيرها البسيط (بويب)، وساحة (أم البروم) في البصرة، شهرة وذيوعاً، ما أضفى على هذه الأماكن الخلود، من خلال نقلها من الوجود المادي الواقعي المحدود، إلى الوجود النصي المتجدّد في كل قراءة.
وفي نهار شتائي حزين، يسكب ألمه الليل والشتاء، وعيون السماء تكفل للدنيا دموعاً شجية، وبيوم الرابع والعشرين من شهر كانون الأول عام 1964، خرج أربعة من الرجال، يشيّعون بدر شاكر السياب إلى مقرّه الأخير في مقبرة الحسن البصري في الزبير، وكان خامسهم المطر، الذي وهبه السياب أجمل قصائده، لقد كانت نهاية السياب قصيدة لم يكتبها بدر، بل كتبها المطر على تراب العراق الخصيب.
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle