رامان آزاد
طهران وأنقرة، تفرّقهما جملةُ تناقضاتٍ، ويجمع بينهما إطارُ تنسيقٍ شكليّ عنوانه “أستانة”، فكلاهما يتموضع على ضفةٍ مختلفةٍ، والاجتماعُ في أستانة لا يعني أبداً اللقاءَ في منتصفِ الطريقِ فيما يتصل بالأزمةِ السوريّةِ، كما أنَّ تجنبَ الطرفين المواجهةَ المباشرةَ لا ينفي حصولَ ذلك عبر الوكلاء والحلفاء، وبالمجملِ استطاعت موسكو ضبطَ إيقاعِ العلاقةِ بينهما، ويبدو واضحاً أن التوجّه الروسيّ ــ الإيرانيّ يقود إلى مصالحةٍ بين أنقرة ودمشق.
نزولٌ مفاجئ عن الشجرةِ
قال وزير الخارجية التركيّ، مولود جاويش أوغلو، الأربعاء 27/7/2022، في مقابلة مع قناة “تي في 100” التركية، إنَّ بلاده أجرت محادثات مع إيران بخصوص إخراج “الإرهابيين” من المنطقة، وأضاف: “سنقدم كلّ أنواعِ الدعم السياسيّ لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”، واعتبر أوغلو أنه “من الحقّ الطبيعيّ للنظام (السوريّ) أن يزيلَ التنظيم الإرهابيّ من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين”.
تصريح الوزير التركيّ جاء بعد عشرة أيام من انعقاد القمة الثلاثية في طهران، في 19/7/2022 والتي جمعت رؤساء (تركيا وروسيا وإيران)، طرأت خلالها متغيرات ميدانيّة وسياسيّة مباشرة، رغم أنّ القمة لم تفضِ إلى أيّ نتائج جديدة، وكان البيان الختاميّ نسخة عن بياناتٍ سابقة، وبقيتِ النقاطُ الخلافيّة عالقة وبخاصةٍ فيما يتصل بالهجمات التركيّة.
ولكن يبدو أنقرة أرادت أن تخطو الخطوة الأولى في سياق المساعي الإيرانيّة للوساطة بين أنقرة ودمشق، وكان وزير الخارجيّة الإيرانيّ، حسين أمير عبد اللهيان، قال في دمشق إنَّ جانباً من زيارته إلى سوريا، يأتي بهدف “التمكن من المضي بخطوات في مسار إحلال السلام والأمن في المنطقة بين سوريا وتركيا، باعتبارهما دولتين تربطهما علاقات مهمة مع إيران”.
ولكن ثمّة حدث آخر انفجر ليزيدَ من مضاعفات توتر العلاقات بين طهران وأنقرة، وكانتِ العراق ميدانَ الأحداثِ بعد القصف التركيّ على مصيف برخ في محافظة دهوك في 20/8/2022 والذي أودى بحياة تسعة عراقيين وإصابة أكثر من 20 آخرين.
وفي أحدث حلقات التوتر، استهدف هجوم بأربعة صواريخ محيط القنصلية التركيّة في منطقة الحدباء السكنيّة بمدينة الموصل، ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، مسفراً عن أضرار ماديّة بالحي دون وقوع قتلى أو جرحى، وذلك قبل ساعات من تبنّي جماعة “سرايا أبابيل” غير المعروفة، وكذلك استهداف قاعدة زيلكان العسكريّة التركيّة بإقليم كردستان بطائرةٍ مسيّرة.
ويوم الأربعاء 27/7/2022 أدانَ مجلس الأمن الدوليّ استهدف المنتجع السياحيّ، فيما جدد فيه العراق اتهام تركيا بالمسؤوليّة عن الهجوم، وطالب بإصدار قرار يُلزمها بسحب قواتها العسكريّة من كامل الأراضي العراقيّة.
وقال وزير الخارجية العراقيّ فؤاد حسين: إنّ “العراق جمع الأدلة من موقع الهجوم وتضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة يستخدمها الجيش التركيّ”، لافتاً إلى أنَّ القصفَ الأخيرَ يعدّ دليلاً ملموساً أمام المجلس على استمرار تركيا في تجاهل مطالبات العراق بإيقاف انتهاكاتها.
كما تنظر طهران بقلقٍ بالغٍ إلى تنامي الدور التركيّ في العراق عقب إبرام الاتفاقية الثلاثيّة، عام 2020، بين أنقرة وبغداد وحكومة إقليم كردستان، ضد حزب العمال الكردستاني في شنكال، فقد شعرت إيران بأنّها قد اُستبعدت من الترتيبات الأمنيّة شمال العراق، ومنذ ذلك الحين، اتهمت الجماعات الشيعيّة الموالية لإيران تركيا بالتدخّلِ في العراق، وحذّرت من أنّها قد تقوم بعملٍ عسكريّ ضد القوات التركيّة.
الأصوات الأعلى في الاحتجاجات ضد القصفِ التركيّ كانت شيعيّة وتمثلت بالمظاهرات وتصعيد بالشعاراتِ وهجماتٍ بالمسيرات على القواعد التركيّة، ولذلك فالمتغيراتُ في العراق كان لها أثر مباشرٌ بالتوازي مع محاولة إيران فرض مرشحها لرئاسة الحكومة، ما جعل أنقرة تستشعر بضرورةِ انتهاجِ شيءٍ من التغييرِ وتدوير زوايا الخلاف مع طهران.