سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عراقية برتبة عميدة ركن خاضت الحروب ونقلت جرحى من مناطق خطرة

بثقة عالية، ومحبة تشبه النسر الجمهوري المعلق على كتفها، تبدو عميدة ركن أنغام أحمد مفيد سعيدة بعملها، الذي يعد من أصعب، وأقسى المهن، التي من الممكن خوضها.
مهنة لطالما كانت حكرًا على الرجال، استطاعت العميدة أنغام أن تخترقها بقوة، وتصبح أول امرأة في العراق، والشرق الأوسط برتبة عميد ركن في الجيش العراقي، منذ تأسيسه في مطلع عشرينيات القرن العشرين؛ ذلك أن كلية الأركان العراقية كانت حكراً على الرجال فقط، لكن كفاءة العميدة أنغام وقوتها مكنتها من نيل الشريط الأحمر بجدارة.

شغف العسكرية الأنثوي
 
“لا شيء يأتي بسهولة، ولا تتشابه ميول وطبائع البشر، وأنا امرأة تحب المجازفة، وخدمة البلاد من خلال موقع قوي، وشعرت أن هذا المكان وحده، الذي يمنحني شرف سلطة الدفاع عن بلادي وخدمته”، بهذه الكلمات تبدأ أنغام حديثها عن بداية دخولها السلك العسكري، وتحديداً عام 2004، في عتمة الأحداث، والفوضى، التي أعقبت الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.
وتابعت، أنه بعد تخرجها من المعهد الطبي قسم العلاج الطبيعي، تدربت على الحاسوب من خلال دورات مكثفة، وأرادت تعلم شيئاً ما حينها بعد انفصالها عن زوجها الأول، وحاولت جاهدة لتوفير حياة هانئة لابنها، ثم قررت دخول دورة في الكلية العسكرية في الأردن.
توضح أنغام، أن هذه الدورة كانت الأولى، التي يتم افتتاحها بعد الغزو الأمريكي، واستمرت لمدة أربعة أشهر: “كانت بمثابة جحيم وعذاب بدني ونفسي، وتحملت فيها ضغوطاً هائلة، في حين أن بعض المشاركين فيها لم يستطع الاستمرار؛ ذلك أنك تعيش لفترة طويلة من حياتك مدنيًا، وفجأة تصبح عسكريًا، وكانوا يعتمدون على عنصر المفاجأة في تدريباتنا، فلا نعلم أي خطوة أو حركة هي المطلوبة؛ يسألوننا أسئلة صعبة، ونحن في وضع التركيز البدني، أتحمل كل ذلك، وأتذكر أن عليّ العودة إلى بلادي برتبة ونجاح، أتحدث، وأتذكر ابني، كانت أياماً صعبة”.

آمر سرية
 
وبعد أن تمكنت أنغام من الحصول على رتبتها، أصبحت “آمر سرية مشاة”، وهو صنف قتالي يشارك في المعارك، ومسؤول عن تطهير المنطقة، وحفظ نظامها، ومن هنا، بدأت رحلتها في العسكرية الحقيقية، وبخطر محاط بها من جميع الجهات، وبأيام تشبه الموت المجاني.
كانت العميدة أنغام تشارك في الدوريات العسكرية، والتوجه إلى المناطق الخطرة، رغم محاولة بعض الضباط ثنيها عن ذلك خشية على حياتها، إذ كانوا يقولون لها “نحن رجال، ونخشى هذه الأماكن، فما بالك أنت؟”، وتضيف قائلة: “حينما كانوا يشاهدون إصراري، وبقائي في السيارة العسكرية، كانوا يستسلمون لبقائي معهم في هذه المهمات”.
تقول أنغام: إنها استطاعت المساهمة في تحرير عدد ليس بالهين من المحاصرين في تلك المناطق، مشيرة إلى أنها تعرضت للكثير من التهديدات بالقتل؛ إذ تم إرسال مظروف إلى منزلها وفيه رصاص، فارتعبت، وتنقلت من مكان لآخر، وقُتل الكثير من زملائها، وتستذكر ذلك قائلة: “لم أملك وقتها حتى حماية شخصية، لم يكن معي سوى مسدس صغير بجيبي، ودرع ارتديه عند خروجي صباحاً، أغير طرقي، وأخرج بأوقات مختلفة لئلا أراقب، حتى أصل منهكة إلى العمل”.
كلية الأركان المقتصرة على الرجال
قدمت أنغام على رتبة الأركان، وكانت شروط الموافقة صعبة للغاية، ولكونها أول امرأة في العراق، والشرق الأوسط ستقدم عليها، كانت الصعوبات كثيرة، لكنها تمكنت من اجتيازها، رغم “الألم والمواجهة، والتمييز”.
تقول: “واجهت تمييزاً لا يمكن وصفه، وحروباً من كل الأنواع، لأنني امرأة، البعض لم يتقبل وجودي بجانبه، فما بالك إذا كانت تدرس الأركان أيضاً!”
وبعد عودة أنغام إلى الكلية العسكرية ونيلها الأركان، واجهت الكثير من الضغط النفسي، ومحاولات الإفشال، وحتى الأذى، فقط لأنها دخلت مكاناً كان بمثابة “الحاجز المنيع لذكوريتهم”، لأن كلية الأركان مقتصرة عليهم وحدهم، تقول بحسرة: “حاربوني بشدة، ففكرت بترك العمل؛ بسبب كل ما فعلوه معي، وقف بعضهم معي، لكنهم قلائل جداً، ولا يمكنهم صد أو منع التمييز، الذي كان يلاحقني”.

انتقلت في عملها لأكثر من مرة، حتى تولت -قبل دخولها كلية الأركان العسكرية -إدارة دائرة إخلاء الجرحى العسكريين، ونقلهم من المستشفيات المدنية إلى مشفى ابن سينا العسكري في المنطقة الخضراء وسط بغداد، كانت مهمة شاقة وصعبة، ولم تعتمد يوماً على معاونيها، بل كانت تذهب بنفسها، لإخراج جنودها الجرحى.
وتصف ما كانت تفعله في هذه المهمة بقولها: “كنت أرتدي زيًا مدنيًا، واختلق ألف قصة، لا يسمحون بخروج أي جريح عسكري من مستشفى مدني، وكانت العملية أكثر تعقيداً في ظل الفوضى، التي كانت تعصف بالعراق سنوات العنف الطائفي بين عامي 2006 و2008، ولأني امرأة، كنت أخبرهم أني أخت الجريح، أمه، زوجته، ابنته، فقط للحفاظ عليه، ذلك أن بقاءهم في المستشفيات المدنية، كان يشكل تهديداً حقيقياً لحياتهم”.
وتوضح العميد أنغام أنه -لحسن حظها -تم نقلها لدائرة إخلاء الجرحى، من دون رغبتها في بادئ الأمر، لكنها تؤكد أن هذه الخطوة ساعدتها على ضمان حقوق الكثير من الجرحى، وضمان رواتبهم من دون استقطاعها.
التحية للمرسوم الجمهوري
وتؤكد أن الكثير من الجنود، ولربما حتى الضباط، ما زالوا يتعاملون مع المرأة في السلك العسكري بجهل، فبعضهم لا يؤدي التحية العسكرية، لكونها “امرأة”، كما أن: “بعضهم يجهل أن لا فرق بين امرأة أو رجل؛ فالتحية تكون للمرسوم الجمهوري والعلم، وليس لها، وحينما كنت أخبرهم بذلك، أشعر أنهم يفعلون هذا على مضض، للمرأة فقط، وللانتقاص منها”.
ورغم جميع هذه المشقات، فما زالت العميدة أنغام تخصص وقتًا لابنها الثاني الصغير، إذ تلعب معه بثيابها العسكرية. وتقول: “كنت أعود للمنزل في الساعة السادسة مساء، رغم أن وقت الدوام الفعلي ينتهي عند الثالثة عصراً، إلا أنّي أفضل متابعة كل شيء بنفسي؛ لأضمن نجاح المهام، ثم أعود لابني الثاني، من أجل اللعب معه”.
وكالات