فيصل أبو ليلى، القائد المُلهم وصانع الإنجازات

آزاد كردي_

فيصل أبو ليلى الذي ولِد في مدينة كوباني في عام 1984 كان له الفضل العظيم في انطلاق حملة تحرير مدينة منبج التي استمرت مدة شهرين ونصف وتوّجت بتحرير منبج من مرتزقة داعش الإرهابيين.

وبتصوري أن لكل أمة ثمة هناك أشخاص أخيار الذين يقدمون كل شيء لديهم بدون مقابل حتى لو كان هذا الأمر قد يكلفهم حياتهم، وفيصل أبو ليلى من هذا الصنف الذي قدّم تضحيته ليس من أجل نفسه أو أسرته فحسب بل كان دفاعاً عن شعب بالأكمل، وفي كل عصر أو فترة زمنية يتجدد هذا الصنف بأشخاص نادرين يُبلغون رسالتهم الإنسانية السامية ثم يمضون ويبقى ما قدموه للبشرية منهلاً للجميع دون استثناء.

لذا فإن نضاله لا يخص الكرد فحسب، بل عموم الشعب، فخلاصة الحكمة لا تحتاج إلى مفاهيم ومصطلحات، وحتى نفهم فيصل أبو ليلى عن كثب ينبغي أن نقوم بعملية سبر للأطر التي مهدت لانطلاقته كقائد وملهم ثم شهيد، فإطلاق حملة تحرير منبج باسمه ليس عبثية وبرغم من قناعتي أن هناك العديد من الشهداء الذين قدموا الغالي والنفيس وحياتهم رخيصة، فالشهداء متشابهون فيما بينهم ولا فرق فيما قدموه إلا أن تضحية فيصل أبو ليلى كانت بأمة مثلما كان سيدنا ابراهيم الخليل بأمة كذلك، ومع انطلاق الثورة السورية في عام ٢٠١١ انبرى لها الكثير من القادة المتميزين الذين ساهموا في توجيه الحراك الشعبي في بدايته لكن الآلة العسكرية الجبارة والأجهزة الأمنية كانت بالمرصاد من خلال القمع والترهيب.

ومع تقدّم الثورة وتوسعها على مستوى الجغرافي وعلى مستوى الزخم الثوري دخل من ليس فيها، أي من الذين باحوا بكل ما في وجدانهم للمطالبة بالحرية، وعلى النقيض من ذلك تسلّق الثورة الكثير من الداخل أو الخارج، وأفراداً ومؤسسات وتكتلات ثورية وتنسيقيات ودول إقليمية ودولية أدت في نهاية المطاف إلى انحراف الثورة وتوجيه قادتها ضمن مفارز شخصية ومشارب مؤدلجة سياسية أو عقائدية أو عرقية أو دينية.

انتقال الثورة إلى التسليح بدوافع مختلفة أو أغراض متعددة من قِبل أطراف مختلفة لا شك ساهم في التعقيد من طبيعة الثورة السورية، وربما كان سبباً في إطالة أمد الصراع حتى الآن، وفي هذه الأثناء لم يكن للثورة أي جسم عسكري حيث نشأ على إثر ذلك ما يشبه الكانتونات العسكرية المفرزة في كل منطقة جغرافية من الخارطة السورية، وهو ما تسبّب في انقسامها لا بتوحيدها وربما لا نبالغ في فشلها أيضاً.

شكّل مع عبدو مصروع جبهة الأكراد في عام 2012 م، ثم غيّروا الاسم إلى أحرار سوريا. وأكمل نضاله مع أحرار سوريا دون صديقه في منبج حتى وصول داعش إليها عام 2013 وكان آخر فصيل في منبج، يقاوم ضد داعش.

حاول المحتل التركي أكثر من مرة؛ إغراء فيصل أبو ليلى بالمال للانسحاب من كوباني، وذلك بعرض الرواتب والأموال وأشياء أخرى، لكنه رفض كل العروض، وقال لهم بالحرف الواحد: “ماذا سأقول لذوي رفاقي الشهداء؟ هل أقول، قتلت أبناءكم، وهربت”؟، كما عرض عليه العقيد عبد الجبار العكيدي أيضاً؛ مبالغ كبيرة من المال، إضافة إلى المنصب الكبير، مقابل انسحابه من كوباني لأنه يعلم أن انسحابه يعني انتهاء المقاومة في كوباني.

قاد فيصل أبو ليلى حملة تحرير منبج وفق محورين اثنين، أحدهما من جهة قره قوزاك، ومن جهة أخرى من سد تشرين بتقدم سريع وخاطف حتى وصلوا مشارف قرية أبو قلقل، ووقع بعض رفاق أبو ليلى في كمين، وكانوا خمسة أشخاص، دخلوا إحدى القرى على أساس أن القرية خالية، ولكن المفاجأة، بخروج خمسين إرهابي، وأحاطوهم وحاصروهم، وذهب فيصل أبو ليلى على الفور لنجدتهم، بالرغم من محاولات الرفاق ثنيه كونه لا يزال مريضاً أثر إصابة تعرض لها في معارك كوباني لكنه استشهد مع انطلاقة الحملة في الخامس من حزيران.

لا يمكن أن تمر ذكرى انطلاق حملة التحرير مروراً عابراً أو بعدم الالتفاف إلى الدور الكبير الذي قدمه فيصل أبو ليلى وكانت سبباً في تحقيق ما نحن عليه الآن من إنجازات ومكتسبات التي ترجمت على الأرض، وبات القاصي والداني يتلمس ذلك في كل المجالات وخاصةً المرأة وكل ذلك بفضل تضحية الشهداء، فحرياً بالأهالي أن يثمنوا هذا الجانب الأهم وأن يأخذوا ذلك بعين الاعتبار، فالثورة الفرنسية حين نجحت كانت بفضل الشهداء وقادتها الأبطال.