إعداد / غزال العمر_
أمير الشعراء، لقبٌ أطلقه المصريون على الشاعر الفذ أحمد شوقي، الذي ترك إرثاً أدبياً وحضارياً وفيراً، قصائده لا تزال تُردد في معظم أصقاع العالم، والقارئ عبد الباسط عبد الصمد الذي عجز أمهر قراء القرآن الكريم أن يصلوا لمستواه في الأداء القرآني، والتجويد وجمال خامته الصوتية، ومحمد علي باشا الذي يُعدّ مؤسس مصر الحديثة وتشهد له كتب التاريخ بذلك، الذي تعود أصوله لـ آمد- ديار بكر من عائلةٍ كردية الجذور والنسب، وغيرهم الكثير من الأسماء، التي شرفت مصر، ورفعت من مكانتها بين بلدان العالم، سنتناول ذكرهم، والتعريف بهم .
يتميز الشعب الكردي بالعطاء بصمت في المجالات الثقافية والفنية؛ والسياسية، وغيرها؛ فكم من قامةٍ أدبية، وشعرية ذاع صيتها، وانتشر بأنحاء العالم كافة، دون معرفة أصولها العائدة لعائلاتٍ كردية.
وما يثير الاهتمام والعجب، أنّ معظم هؤلاء الفنانين والمشاهير عاشوا وماتوا، واشتهروا في العالم العربي دون أنّ يَعرف الكثيرون أن أصولهم كردية، أو أن يتم الغوص في مسألة الأحساب والأنساب والانتماءات؛ لأنّهم كانوا يندمجون مع مجتمعاتهم مخلصين لرسالتهم، التي يحملونها دون تعصبٍ أو كبرياء.
لكن أين يتواجد الكرد في مصر؟
موطن الكرد في مصر
في مصر تحديداً ينتشر الكرد في أماكن مختلفة، تمتد من الإسكندرية شمالا إلى أسوان جنوباً، حيث كشفت المؤلفة درية عوني، التي ولدت في مصر من أب كردي، وأم مصرية، عن الوجود التاريخي للكرد في مصر، ودورهم في نهضتها في كتاب “الأكراد في مصر عبر العصور” فقد هاجر الكثير من الأكراد إلى مصر، وانقطعت صلاتهم مع موطنهم الأول، ولم يبق لهم من تلك الصلة سوى الاسم، وخرج من أبنائهم وأحفادهم الكثير من القادة العسكريين، ورجال الإدارة، والأدباء والشعراء، والفقهاء، والفنانين، وأسدوا خدمات جليلة لوطنهم مصر؛ لكنهم لم ينكروا كرديتهم.
التاريخ يخلد العظماء
تشير بعض المصادر إلى أنّ محمد علي باشا الكبير، مؤسس مصر الحديثة، أصله كردي من آمد-ديار بكر، بينما كان شائعا أنّ أصله ألباني، إلا أن مجيئه مع الفرقة الألبانية لمصر هو ما جعل هناك شكاً حول نسبه؛ فقد صرح حفيده الأمير محمد علي لمجلة “المصور” المصرية عام 1949 أن أصلهم كرد من آمد.
هذا وقد نبغت بمصر شخصيات من أصل كردي، كانت من رواد حركة الإصلاح والفكر، والأدب والفن أمثال: محمد عبده، والمفكر قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، ونجيب الريحاني، والشاعرة عائشة التيمورية، والقاص محمود تيمور، والشيخ القارئ الشهير للقرآن عبد الباسط عبد الصمد، والفنانين التشكيلين أدهم، ومحمد سيف وانلي، والفنانة سعاد حسني وأختها الفنانة نجاة الصغيرة، والفنان رشدي أباظة، وغيرهم كثيرون…
سعاد حسني وشقيقتها نجاة الصغيرة
ولدت كلّ من سعاد حسني، وشقيقتها نجاة، في حي بولاق قرب قصر عابدين في القاهرة، وكان والدهما الخطاط السوري المعروف محمد حسني البابا، ينحدر من أصول كردية نسبة للعائلة البابانية، جاء من سوريا إلى مصر، وقام بزخرفة كسوة الكعبة المشرفة، حينما كان يعمل في القصر الملكي السعودي.
رشدي أباظة
هاجر عدد كبير من عائلته إلى مصر أيام المماليك، ويرجع أصول عائلته إلى القوقاز الكردي، وأبرز أفراد عائلته إسماعيل أباظة باشا، الذي كان من قادة الثورة العربية، ودسوقي أباظة باشا، الذي كان واحداً من ألمع شباب ثورة 1919، وعزيز أباظة الشاعر المغوار، وفكري باشا أباظة، فارس الكتابة والخطابة، ثم ماهر أباظة وزير الكهرباء السابق، والشقيق الأصغر للشاعر عزيز أباظة.
الشاعر أحمد شوقي
تعدّ عائلة أمير الشعراء المصري الأشهر الكردي الأصل أحمد شوقي، واحدة ممن خرجوا من موطنها كردستان، وعاشت في موطنها الثاني مصر، حيث يوثق التاريخ علاقة حميمة بين الشعبين المصري والكردي على مر التاريخ بدءًا من نفرتيتي، وحتى اليوم، يتفق معظم أو جميع النقاد، والمؤرخين على أصول الشاعر أحمد شوقي الكردية، ليس هذا فحسب بل نستطيع أن نثبت بأنّه كان، بخلاف ما أخذ عنه من انطباعات، بأنه كان لديه ميول ولو بشكل ضمني، أو صريح أحيانا كما رأينا مع القومية الكردية، ونستطيع أن نلمس ذلك بقوله، وهو يجهر بأصله الكردي فيقول: (سمعت أبي يرد أصلنا إلى الكرد فالعرب)، قالها الكرد وألصق بها العرب، وهو يعني بأن الكرد والعرب المستعربة ربما ينتمون إلى أصول إبراهيمية واحدة؛ لأن بعض المؤرخين يصلون نسب إبراهيم إلى الحوريين، أجداد الكرد، وهذا ما يؤكد كلامه، بأنّ له انتسابا إلى هذه الأرومة الواحدة، وإرضاء لمن يعيش بين ظهرانيهم من العرب.
هذا ومن المعروف عن شوقي أنه كان رجل البلاط، أي رجل البلاط الملكي المصري، وكانت تربطه بالعائلة المالكة علاقة حميمة، والسر في ذلك هو أن العائلة الملكية من نسل الوالي المصري الشهير محمد علي باشا، منشئ النهضة المصرية، والتي هو بدوره كما أثبته المؤرخون، بأنه من أصول كردية من مناطق شمال كردستان، وأنه ولد في (قولة) في البانيا بعد هجرة عائلته إليها، وأصبح ضابطا في الجيش العثماني في القولة كمقر لفرقته، ومن هناك أُرسلت الفرقة إلى مصر وعرف بالألباني، وكان الناس لا يعلمون موطنه الحقيقي وفي عهده ظهرت “رواق الأكراد” في الجامع الأزهر وهم جماعة دينية كردية، ولذلك كان الشاعر شوقي يعلم ذلك، ويستأنس بالعائلة لأنّها من بني جلدته.
علي بدرخان
مخرج مصري مشهور، جاءت عائلته إلى مصر عام 1815 بعد وفاة الأمير بدرخان، آخر أمراء شمال كردستان، وتفرق نسله، وبعد انتصارات أتاتورك الذي كان ألد أعداء آل بدرخان، حكم على أمين باشا بدرخان وأربعة من أبنائه بالإعدام وهم (ثريا — علي — جلادت- كامران) فاضطر الأمراء الأربعة إلى مغادرة البلاد، وقدم الأمير علي، وثريا إلى مصر واستقرا بالفيوم.
نجيب الريحاني
من أصول عراقية كلدانية مسيحية، جاء جده إلياس ريحانة إلى مصر، وهو تاجر خيل، قادما من الموصل، واستقر به الحال في مصر، ليتزوج من سيدة قبطية مصرية، وأنجب نجيب ريحانة، الذي يطلق عليه نجيب الريحاني، ويعدّ من أشهر الفنانين في تاريخ الفن العربي.
عباس محمود العقاد
ترجع أصول الأديب والناقد الأدبي الكبير عباس العقاد إلى ولاية آمد-ديار بكر الكردية في شمال كردستان، وقدم مؤسس العائلة إبراهيم مصطفى العقاد، إلى مصر، واستقر بمدينة أسوان، وكان يعمل بمهنة عقادة الحرير، ومن هنا جاء لقب “العقاد”.
عبد الباسط عبد الصمد
من أشهر مقرئي القرآن في التاريخ المصري، هاجر عميد عائلات عبد الصمد من جنوب كردستان في القرن الثامن عشر، واستقر بصعيد مصر، وتحديدا بمحافظة قنا، ويعدّ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، المولود بقرية المراغزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا بجنوب مصر، من أبرز أفراد العائلة ذات الأصول الكردية.
أعلامٌ، وأسماءٌ كبيرة، حفرت ذكراها في ذاكرة كلّ محب للثقافة، والأدب، والشعر، والفنون، والتي أظهرت تشبثاً، وتمسكاً بأصولها الكردية.
