رامان آزاد_
تواصل أنقرة العملَ على محورين؛ شن هجوم يستهدفُ حركةَ التحررِ الكردستانية في باشور كردستان، والإدارة الذاتيّة في سوريا، عبر إجراء لقاءات مع مسؤولين سوريين، ومسؤولين من باشور كردستان، وفيما لا يُعلن صراحةً عن فحوى اللقاءات، إلا إنّ القصفَ التركيّ للمناطق يُستغل بالاشتباك الدوليّ، والحرب في أوكرانيا لفرضٍ متغيّرٍ ميدانيّ في شمال وشرق سوريا.
صحيفة تنقل تفاصيل الاجتماع
نقلت صحيفة “المدن” اللبنانيّة في 14/4/2022، عن مصدر في حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، لم تسمِّه، حديثه عن اجتماع “استخباراتي” جمع وفداً سوريّاً ــ تركيّاً في موسكو قبل أيام، وقال التقرير: إنَّ اللقاءَ تناول ملفاتٍ أمنيّةً واستخباراتيّةً فقط، وكان الهدفُ منه “الالتزام بالتفاهمات” المبرمة بين موسكو، وأنقرة في سوريا، وأشار المصدر التركي إلى مخاوفِ روسيا من امتدادِ تداعياتِ حرب أوكرانيا إلى سوريا، ما دعاها لعقدِ الاجتماع في موسكو، دون بيانِ الشخصياتِ، التي شاركت في اللقاءِ.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسيّة عن الضابط في قوات النظام السوريّ، الرائد حيدرة جواد، والذي كان مشاركاً في الاجتماع قوله: “إنَّ الجانبين اتفقا على بنود عدة “تصب في مصلحة البلدين”، منها الحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة، وعدم المساس بها، وبسط السيادة على كاملِ الأراضي السوريّة، كما تحدث جواد عن إمكانيّة التعاون الاستخباراتيّ مع تركيا لـ”طرد عملاء أمريكا (قوات سوريا الديمقراطية) من شرق الفرات في المرحلة المقبلة، وإعادة المنطقة إلى ربوع الوطن””، حسب تعبيره. ولكن المصدر التركيّ، أكّد أنّه جرى خلال اللقاء بحثُ مواضيع تخصُّ الأمن فقط، دون بحث مواضيع أخرى.
نفيٌّ سوريّ
في 4/4/2022 نقلت صحيفة “حرييت” التركيّة عن مصادر حكوميّة قولها، إنَّ “هناك تعليقات مفادها أنَّ دور تركيا في الأشهر الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بحسم حرب أوكرانيا، وتركيز روسيا في هذه المنطقة، قد يكون وقتاً مناسباً لحلِّ المشكلة السوريّة”، وتحدثت الصحيفة عن مناقشات تركيّة حكوميّة تجري في الفترة الحالية للشروع بحوار مع حكومة دمشق، وقالت الصحيفة: إنَّ أنقرة نقلت رسائل إلى دمشق قبل زيارة الرئيس السوريّ بشار الأسد إلى الإمارات العربيّة المتحدة، تتعلق بنقاشات تجري حالياً داخل الحكومة التركيّة، لاستغلال الانشغال الروسيّ بالحرب الأوكرانيّة، والبحث عن فرصة جديدة لخلق أجواء تدعو لتحسين العلاقات بين أنقرة، ودمشق. وفي يوم الأربعاء 6/4/2022، نفت الخارجيّة السورية، ما تداولته وسائل الإعلام عن إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، ونقلت صحيفة “الوطن” شبه الرسميّة عن أوساط في الخارجيّة السوريّة، أنَّ “ما ورد في مضمونِ الخبرِ الذي نقلته صحيفة حرييت عن مصادر حكومية تركية، لا يتعدى كونه بروباغندا إعلاميّة مفضوحة مع اقتراب الانتخابات الرئاسيّة في تركيا”.
وأضافت، إن “الخبر يُراد منه تلميع صورة النظام التركي، الذي ضرب عرض الحائط بكل ما يمليه مبدأ حسن الجوار، والعلاقات الوثيقة التي تربط بين الشعبين السوري والتركي”، وأشارت الأوساط السياسية إلى أنَّ النظامَ التركيّ “انتهج سياساتٍ عدوانيّةً، لا أخلاقيّة ضد سوريا، وضد شعبها ترقى إلى جرائم الحرب”، وتمثلت تلك السياسات، حسب الخارجيّةِ السوريّة، “عبر دعمه المباشر للتنظيمات الإرهابيّة، التي أراقت دماء الشعب السوريّ، وعبر تواجد قواته بشكل غير شرعيّ على الأراضي السوريّة للدفاع عن هذه التنظيمات”.
كما أشارت إلى “لصوصيته التي طالت خيرات السوريين، وآثارهم، ومحاولاته اليائسة لإحداث تغييرات ديمغرافيّة في الشمال السوريّ”، وشددت على أن الحوار مع تركيا مرتبط بسحب قواتها الموجودة بشكل غير شرعي على الأراضي السورية، ووقف دعم الإرهابيين، والكف عن الانتهاكات المتكررة بحق السوريين.
بالمجملِ، النفي السوريّ سياسيٌّ لدرجةٍ كبيرةٍ، ويتزامن مع حصارٍ خانقٍ يُفرض على حيي الشيخ مقصود، والأشرفية، ويُمنع دخول المواد الغذائيّة، والدواء والمحروقات، وكذلك على مناطقِ الشهباء، حيث يعيشُ أهالي عفرين المهجّرون قسراً، بالتزامنِ مع حملةٍ إعلاميّةٍ تستهدفُ الإدارةَ الذاتيّةٍ.
استعدادٌ سوريّ مشروط
في 22/2/2022 أبدى وزير الخارجيّة السوري، فيصل المقداد، استعداداً لتطبيع العلاقات مع الحكومة التركيّة لكن وفق شروط، وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي في منتدى “فالداي” في موسكو، وقال: “سوريا وتركيا جيران، ويربطنا تاريخ طويل و500 سنة احتلال، تكفي حتى نفهم بعضنا”، وأضاف أن هنالك عدة أشياء يجب أن تتحقق لتعودَ العلاقاتُ السوريّة – التركيّة، وهي سحب تركيا قواتها من الأراضي السوريّة، والكفّ عن دعم “الإرهابيين” وحرمان السكان السوريين من الموارد المائيّة، وبناء علاقات مع سوريا على أساس الاحترام المتبادل، حسب تعبيره.
في 7/9/2021 قال مولود جاويش أوغلو في لقاء على قناة NTV: أنقرة تتواصل مع دمشق حول القضايا الأمنيّة، ولكنها لا تتعلق بالحوار السياسيّ”، وأشار إلى أنَّ “المفاوضاتِ اللازمةَ جاريةٌ على مستوى الخدماتِ الخاصّةِ والاستخباراتِ… وهذا طبيعيّ”.
تحدث وزير الخارجية التركيّ، مولود جاويش أوغلو، عن مفاوضات دبلوماسيّة مع دمشق، في الوقت الذي نفى فيه النظام السوريّ أيَّ تواصلٍ مع أنقرة.
ونفى مصدر رسميّ في الخارجيّة السوريّة، بشكلٍ قاطعٍ وجودَ أيّ نوعٍ من التواصلِ، والمفاوضاتِ مع النظام التركيّ، وخاصة في مجالِ “مكافحة الإرهاب”، حسب وكالة سانا، وأشار المصدر إلى أنّ أنقرة تعدّ داعماً رئيسيّاً للإرهابِ، وأصبحت خزاناً للتطرفِ والإرهابِ، الذي يشكّل تهديداً للأمنِ والاستقرارِ في المنطقة، ما يخالفُ قراراتِ الشرعيّةِ الدوليّةِ حول مكافحة الإرهاب.
وجاء ردُّ الخارجيّة السوريّة تعليقاً على ما تناقلته وسائل إعلام نقلاً عن أوساط تركيّة، وتحدثت صحيفة Türkiye Gazetesi، في 4/9/2021 عن لقاء فيدان ومملوك نقلاً عن مصادر مسؤولة لم تسمها، إضافة لمعلومات قالت: إنّها من مصادر أمنيّة عراقيّة، عن لقاء مرتقب في بغداد، بين رئيس الاستخباراتِ التركيّة، هاكان فيدان، ومدير مكتب “الأمن الوطنيّ”، اللواء علي مملوك.
ولكن رغم النفي، تم تداول عقد اجتماعٍ أمنيّ سوريّ ــ تركيّ في كانون الأول 2021 في مدينة العقبة الأردنية، تناول عمليات مشتركة ضد “حزب العمال الكردستانيّ” وإعادة إعمار حلب، وعودة اللاجئين، وفتح المعابر الحدوديّة، ولم يعلق المسؤولون الأتراك أو السوريون على هذا اللقاء.
وفي كانون الأول 2020 تحدثت وكالة الأنباء السوريّة “سانا” عن أول لقاء منذ 2011 بين رئيس مكتب الأمن الوطنيّ، علي مملوك ورئيس الاستخبارات التركيّة، حقان فيدان، في موسكو.
سبق أن أقر أردوغان في مقابلة مع محطة (تي.أر.تي) في 3/2/2019، وجود اتصالات مع دمشق وقال: “إنّ تركيا كان لها أيضاً اتصالاتٌ مباشرة مع الحكومة السوريّة، وقال إنَّ السياسةَ الخارجيّة مع سوريا مستمرةٌ على مستوى منخفض”، وأضاف: تعملُ أجهزة الاستخبارات بشكل مختلف عن الزعماء السياسيين، وأن “الزعماء قد لا يتواصلون، ولكن أجهزة الاستخبارات يمكنها التواصل لمصلحتها، حتى إذا كان لديك عدو فعليك عدم قطع العلاقات، فربما تحتاجه فيما بعد”.
لقاءات مع قادة باشور كردستان
شهدتِ الفترة الماضية لقاءاتٍ مكثّفةً على عدة مستويات بين مسؤولي إقليم كردستان، وأتراك على أرفع المستويات، ففي 11/3/2022 زار رئيس إقليم كردستان نيجرفان البارزاني، تركيا للمشاركة في اجتماعات منتدى أنطاليا الدبلوماسيّ، والتقى الرئيس التركيّ أردوغان، ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو.
وأفادت مصادر إعلاميّة مطلعة بلقاء الرئيس التركيّ أردوغان، ووزير دفاعه في زيارةٍ غير معلنةٍ مع مسؤولين من قادةِ حزبِ الديمقراطيّ الكردستانيّ في قاعدةٍ تركيّةٍ قرب دهوك في إقليم كردستان، وأفادت أنّه قبيل اللقاء، في زيارةٍ مفاجئةٍ لأردوغان إلى قيادةِ فرقة المشاة الثالثة، في منطقةِ يوكسك أوفا بولايةِ هكاري على حدودِ باشور كردستان، ورافق أردوغان وزير الدفاع التركيّ خلوصي أكار، ورئيس الأركان يشار غولر، وقادة أركانِ الجيشِ التركيّ.
في 2/2/2022 استقبل الرئيس التركيّ، أردوغان، في أنقرة رئيس إقليم باشور كردستان، نيجرفان بارزاني، وذلك بالتزامنِ مع هجماتٍ متواصلةٍ، يشنّها الاحتلالُ التركيّ على شنكال، ومخمور في باشور كردستان، بالإضافة إلى قصفِ ريف ديرك، وعين ديوار في شمال وشرق سوريا، فيما لم يتم الكشف عن سبب الزيارة، والملفات التي تمت مناقشتها بين الطرفين.
في 1/2/2022، استهدفت دولة الاحتلال التركيّ مخيم الشهيد مخمور، ما أدى لاستشهاد عضوين من أعضاء لجان الحماية الجوهريّة، كما شنت غارات جوية مكثفة على قضاء شنكال، ما أسفر عن استشهاد عدد من المواطنين، وأعلن أردوغان في خطابٍ له أثناء حضوره الجمعية العامة لاتحاد شباب الأعمال التركيّ، أنَّ الطائرات التركيّة قصفت ثلاثة مواقع لحزب العمال الكردستانيّ.
في 18/2/2022 التقى نيجرفان بارزاني، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن مع وزير الدفاع التركيّ خلوصي أكار، حيث أكد تناول الجانبين العلاقات بين تركيا، وباشور كردستان.
وفي 15/4/2022 قام رئيس حكومة باشور كردستان مسرور بارزاني، بزيارةٍ إلى تركيا في زيارةٍ رسميّةٍ التقى خلالها الرئيس التركيّ أردوغان، وذكر بيانٌ مقتضبٌ صادر عن حكومة باشور، أنَّ رئيس الحكومةَ بحث خلال اللقاءات، سُبل تعزيز العلاقات بين إقليم كردستان وتركيا، إضافة لمناقشة آخر التطورات، والمستجدات في العراق والمنطقة.
وجاءت هذه الزيارة لشنِّ هجماتٍ على قوات الدفاع الشعبيّ “الكريلا”، وكانت لجنة العلاقاتِ الخارجيّة في منظومة المجتمع الكردستانيّ، قد أعلنت في بيان لها في 26/3/2022، أنَّ دولة الاحتلال التركيّ تخطط لشنِّ هجومٍ على باشور كردستان، بالتعاون مع الديمقراطيّ الكردستانيّ.
