قامشلو/ ميديا غانم –
“كنت أيضاً من ذاك الجيل، الذي سيطرت عليه العادات العشائرية البالية، فكان الذهاب لإكمال الدراسة في المدينة جرماً عشائرياً تُعاقب عليه الأسرة بأكملها”.
ولدت “كلستان علي” عام 1986 في قرية تل طير في إقليم الجزيرة، ضمن عائلة تنتمي لعشيرة كبيرة: “تحكمها العادات والتقاليد، التي كانت تطبق بشكل خاص على نساء العائلة”، وتؤكد أنها أكملت دراستها في المرحلة الإعدادية بالرغم من المعارضة العشائرية، وكانت حينها بمثابة ثورة ضد العرف العشائري.
كلستان علي المتحدثة باسم الساحة الاجتماعية لمؤتمر ستار بشمال وشرق سوريا حالياً، حدثتنا عن تجربتها كمثال لما عاصرته المرأة قبل وبعد ثورة روج آفا وقالت: “عند تقييم وضع النساء في التاريخ، وخاصةً خلال المائة عام الماضية نجد أن هناك تغييرات ملحوظة حدثت، وهذه التغييرات هي جزء من الثورات القديمة، وبعد هذه الثورات استطاع الرجل التخلص من معظم القيود البالية، والعادات القديمة، ولكنها بقيت تطبق على المرأة فقط”.
“لم تُكسر الصورة النمطية”
وتابعت: “المرأة التي كانت قوية ومرنة منذ فجر التاريخ، وكانت تقاوم في سبيل تحقيق كيانها، بالرغم من الهجمات المستمرة عليها، ولو بشكلٍ متفاوت، وبشكل خاص من النظام الرأسمالي الاستبدادي، الذي تبلور في هذا القرن، وبات يهاجم النساء بشدة من خلال الذهنية الذكورية، ولكن بطرق مختلفة، وأكثر مكراً، وكان لهذا تأثير أشد على النساء قبل الثورة، حيث كانت المرأة مقيدة من جميع النواحي، وبدايةً من الأسرة، وذلك من خلال العادات والتقاليد البالية، وأيضاً استغلال البعض الدين لمصالحهم، وذلك كله بقوالب مختلفة، هذه القوالب من العادات والتقاليد كانت تطبق على الرجل أيضاً، ولكن بمرور الوقت استطاع الرجل تجاوزها، إلا أنها لا تزال مستمرة على المرأة، فالصورة النمطية بحق المرأة لم تكسر بشكل كلي بعد، فلا زال ينتقل حق تقرير مصيرها من يد الأب، والأخ للزوج، وتُهضم حقوقها، وتتعرض لشتى أنواع العنف”.
موضحةً بأنه على الرغم من أن سوريا، كانت حتى قبل الثورة متقدمة نوعاً ما على معظم دول الشرق الأوسط، لكن عندما كان يتعلق الأمر بحرية المرأة، كانت الذهنية الذكورية ذاتها تستثني المرأة من خلال الصور النمطية عن المرأة، وتقييدها من قبل الرجل والأسرة والمجتمع، فكانت محرومة من أبسط حقوقها كالعمل والدراسة إلخ…
الدراسة في المدينة عار كبير
تذكر كلستان تلك المرحلة، وتصف تلك اللحظات على النحو التالي: “بسبب العادات العشائرية المتشددة آنذاك، كانت الفتاة ضمن العائلة تدرس حتى المرحلة الابتدائية ضمن القرية فقط، وكان عارًا كبيرًا على الفتاة أن تدرس في المدينة، حيث لم تتواجد مدارس للمرحلة الإعدادية ضمن القرية، وكنت أول فتاة تذهب من القرية لإكمال دراستها في المدينة”.
تشير كلستان إلى أنه نتيجة إصرارها وحبها للدراسة، وافقها والدها في دراستها خارج القرية: “والدي كان ذا وعي كبير، ولم يتراجع عن قراره، بأن أكمل تعليمي في المدينة، والذي جوبه برفض وتنديد صارم من العائلة، حيث قاطعت القرية والعائلة، وآنذاك جدي أيضاً أبي لمدة عشر سنوات، وبذلك كسرت القالب الذي فُرض علينا نتيجة العادات البالية، بأن الفتاة تستطيع إكمال دراستها خارج القرية، رغم الصعوبات كلها”.
وزادت كلستان: “وهكذا فتحت الطريق أمام أخواتي، وفتيات العائلة وحتى القرية، حتى باتت الفتيات في قريتي يكملن دراستهن في المدينة، كنت الأولى، ولكنني لم أكن الأخيرة، وهذا الوعي كله، الذي حاربنا به تخلف وجهل العادات البالية اكتسبناه من أبي، الذي كان ضمن حركة الحرية، واكتسب الوعي من خلال هذه المسيرة، وما بدأناه قبل الثورة وعلى طريق الحرية بفكر وفلسفة القائد أوجلان أكملناه ضمن ثورة روج آفا”.