No Result
View All Result
المشاهدات 17
مع إشراقة كل بارق، ومع خيوط الفجر الأولى، تضع المرأة الستينية (أ.م) عصابة، وتحمل صينية القيمر (قشطة الحليب العراقية) الكبيرة على رأسها، ترافقها حفيدتها، تحمل بيديها عدة أوان، مملوءة بالدهن الحر، (السمن البلدي)، والحليب والجبن.
والقيمر قشطة الحليب المُخثرة، وهي من الأطعمة الشعبية المشهورة في العراق، ويؤكل عادة على الفطور، ويتم تناوله مع الخبز، أو الصمون العراقي، وقد يؤكل مع المربى، أو العسل أو الكاهي (نوع من الفطائر).
مهن تنقرض
(أ.م) بعد أن فقدت مصدر رزقها، لجأت إلى بيع القيمر لأهالي بهرز (في محافظة ديالى بباشور كردستان)، لإعالة عائلتها المكونة من تسعة أفراد، وما زاد من معاناتها، فقدانها لولدها الوحيد زمن الحرب.
تقول (أ.م): “تهجرت الكثير من المناطق، التي أزورها، وقلت القدرة المعيشية للبعض الآخر، لم أستطع القيام في هذه المهنة، خاصة بعد أن رفع أصحاب الجواميس أسعار الحليب، وصارت الكلفة أكثر من المكسب، لذا وجب عليّ أن أترك بيع القيمر، وأقبل بعمل أحفادي الذكور كحمالين في الأسواق”.

الجفاف
وفيما تواجه (أ.م) وأحفادها مهمة البحث عن لقمة العيش، اتجهت (م.س) من أطراف بعقوبة (في محافظة ديالى) إلى بيع ثلاثة من الجواميس، التي تملكها فيما نفقت الرابعة.
(م.س) تحاول التمسك برباطة جأشها، وهي تتحدث عن أبرز ذكرياتها السعيدة -حسب وصفها-والخاصة بعملها: “كنت أستيقظ في الرابعة فجراً، أتفحص ما صنعته من قيمر، وأُجهّز ما يجب بيعه في اليوم التالي، وهذا كله من حليب جواميسي الأربعة، وتعمد ابنتي إلى صنع الخبز، بموقد مصنوع من الطين، بعدها أتجه إلى المناطق القريبة من مركز ديالى لأبيع المنتجات هذه، وأشتري بما أجنيه متطلبات للعائلة”.
وتستطرد (م.س) أن زوجها من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولها خمسة من الأولاد، ثلاثة ذكور وابنتان، كانوا يعيشون معتمدين على بيع القيمر، حيث كان يدر عليهم مردودا مالياً لا بأس به، إلا أن ذلك انتهى بجفاف المياه، وغلاء الأسعار مع زيادة كلفة الأعلاف، وهو ما اضطرها لبيع ثلاثة من الجواميس، ثم ماتت الرابعة، والتي كانت تسميها الشقرة.
صناعة القيمر
وعلى الرغم من أن أغلب العراقيين يرون أن القيمر أكلة دسمة جداً، يتم تناولها صباحاً، فإنها تكاد تكون وسيلة الترحيب الرسمية بالضيوف والأعزاء، كما أن القيمر وسيلة ترحاب بالعروس، ولا يكاد يتزوج اثنان، إلا وكان القيمر فطورهما الأول.
ويصنع القيمر الذي يصفه البعض “بقيمر العرب”، يدوياً وبشكل يومي، كما تقول (م.س)، ولأنها تمتلك من الجواميس أربعة، فهي تعمد إلى وضع الحليب على نار قوية لمدة عشر دقائق، ويترك الحليب على حرارة القدر، بعد إطفاء النار، يغطى بقطع من القماش، ويترك حتى الصباح الباكر، حيث تتحول الطبقة الموجودة على السطح إلى قيمر بحلول الصباح.
اقتصاديا؟
تأثير الأزمات الاقتصادية على هذه المهن، قد يكون هو السبب الرئيس وراء تراجعها، خاصة مع ارتفاع تكلفة النقل في ظل زيادة أسعار الوقود، إلى جانب ارتفاع سعر الأعلاف.
وإزاء تراجع صناعة القيمر، استبعد الخبير الاقتصادي نبيل جبار، أن يكون للأزمة الاقتصادية الحالية أثر بصورة مباشرة على تلك المهن، ومنها المهن التراثية المرتبطة (بباعة القيمر العراقي)، أي قد تكون تأثيراتها آنية ووقتية، بسبب ضعف كميات المياه الخاصة، لتربية الجاموس أو الأبقار، وقلة الأعلاف بسبب موسم الجفاف، إلا أنها قد لا تكون أسباباً مباشرة في انحسار انتشار مثل هذه المهن.
وعزا الخبير الاقتصادي للجزيرة نت تراجع القيمر الشعبي، وتسويقه عن طريق العاملين به، إلى أن التسويق عبر المتاجر الرئيسية، أسهل وأكثر نفعاً للباعة، بدل استمرار تجوالهم اليومي على المنازل، فندرة المنتج اليوم للعوامل، التي ذكرناها قد تسهم برفع قيمة السلعة، وقد ينتفع منها المنتجون أكثر.
No Result
View All Result