لأننا كرد ولأنه آذار، فهو يحمل آمالنا وآلامنا كلّها

حسين دلف_

إنها بداية الربيع، وتفتح البراعم والأزهار، حيث تكتسي طبيعة كردستان حلتها الأنيقة، لابسة ثوبها المزركش، وتبدأ دورة الحياة الجميلة، وتعم الأفراح والأعياد في كل بقعة من أرض كردستان الخيرة، هذه الأرض المقدسة، التي لا تحمل في جوفها سوى الخير والعطاء، والتي لم تُزّهر، ولم ترتوِ يوماً، إلا وهي تحتضن أبناءها، الذين فدوها بدمائهم الطاهرة الزكية، لتبدو أكثر بهاءً وتألقاً في آذار، في شهرنا المفضل لإرواء ظمأ أرضنا للحرية المقدسة.

شهر آذار فيه الكثير من الأفراح، وكذلك المآسي، التي بقيت في قلوبنا، وفي ضمائرنا ونستذكرها كل عام، فنحن أمة نحيا بألآمنا ومآسينا، إنه كذلك شهر الفرح، الذي وجد الكرد فيه خلاصهم من نير العبودية، والظلم والطغيان، فهو في الوقت نفسه شهر الخير والعطاء.

لا شك في أن الأمم والشعوب الأخرى، أيضاً لديها من الآلام، ومن المآسي والويلات، التي رافقت مسيرة تحررها وتطورها، وتعرضت للظلم والاستعباد مثلها مثل الشعب الكردي، لكننا نحن الكرد ما زلنا نعيش الألم كل يوم، ونتعرض للقتل والتشريد والاعتقال، وأمام أعين كل الشعوب المتحررة، وبيد أنظمة تلك الشعوب.

 إن ما يميّزنا عن الآخرين يكمن في أننا نجعل من كل معركة ومن كل مأساة، أعياداً وأفراحاً نحتفل بها، لأن صمودنا وتشبثنا بأرضنا، وبثقافتنا أمام محاولات الإبادة والصهر، اللتين نتعرض لهما منذ فجر التاريخ وإلى اليوم، هو عيد وفرح لنا، وكل حبة رمل، وكل زهرة، وكل قطرة ماء في وطننا كردستان تحتفل معنا بوجودنا كما نحتفل نحن باسم كردستان، وبكل ما تحمله أرض كردستان من خير وعطاء.

إن ما نتعرض له من ظلم واضطهاد، هو الحافز الأكبر لنا للسير على طريق النضال، والمقاومة في سبيل الوصول إلى الحرية، وتحقيق النصر، والتحرر والتخلص من العبودية. الكردي مثله مثل بقية الشعوب الأخرى له في التاريخ القديم، والحديث مآثر وبطولات وإنجازات يفتخر بها، وما بطولات وحدات حماية الشعب والمرأة YPG / YPJ  وقوات الدفاع الشعبي HPG والبشمركة Pêşmerge إلا شواهد حاضرة عن قوة الكرد والبطولة والبسالة التي يحملوها في مواجهة آلة القتل والتدمير سواء من الأنظمة المحتلة لكردستان (تركيا، إيران، العراق، سوريا) أو التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبلها ومن دول قوى الهيمنة الرأسمالية والإمبريالية العالمية.

ذكرياتنا مؤلمة ومؤلمة جداً، ولا ننكر أننا قد ارتكبنا بعضاً من الأخطاء، التي تسببت في مآسينا بأيدينا.

أن كثافة الأحداث المؤلمة والموجعة في شهر واحد، وكذلك الظروف الصعبة والقاسية في وقت واحد وفي شهر واحد علينا، شيء يدعو للعجب والاستغراب!  آذار وحده دوناً عن بقية الشهور، يختصر ويختزل بداخله تاريخ مآسي وآلام الكرد، ولو وقعت هذه المآسي، التي تعرض لها الكرد في آذار على أي أمة أخرى، لأفنتها، لكن لأننا نحن الكرد ما يجمعنا بآذار هو الدم فنحن باقون وصامدون، ويتجدد الحلم في نوروز حلم الحرية والاستقلال لكردستان.

خلال آذار مرت أحداث كثيرة على الشعب الكردي، أحداث مؤلمة وأخرى فرحة نذكر هذه الأحداث بدءاً من:

• الأول من آذار والذي يصادف رحيل الملا مصطفى البارزاني عام 1979، كما أنه يحمل في أحشائه محاولة دولة الاحتلال التركي تسميم القائد أوجلان في معتقل إيمرالي سنة 2007.

• السادس من آذار 1975 اتفاقية الجزائر المشؤمة التي تنازل فيها صدام حسين عن شط العرب، وجزر عراقية لشاه إيران مقابل إيقاف الدعم لثورة الحادي عشر من أيلول في باشور كردستان.

• السابع من آذار 1991 انتفاضة مدينة السليمانية في باشور كردستان ضد نظام البعث الفاشي في العراق.

• الثامن من آذار كل سنة يوم المرأة العالمي.

• التاسع من آذار 1989 وفاة الفنان الكردي القدير بلبل الأغنية الحزينة محمد شيخو.

• العاشر من آذار من كل عام يوم الزي واللباس الكردي.

• الحادي عشر من آذار 1970 توقيع اتفاقية الحكم الذاتي بين قادة الحركة الكردية في باشور كردستان، والنظام العراقي بوساطة المبعوث السوفييتي، وقتها يفغيني بريماكوف.

كما جرى في الحادي عشر من آذار 2014 في مدينة قامشلو هجوم إرهابي على مبنى فندق هدايا، والذي كان مقراً لهيئة البلديات راح ضحيته أحد عشر شهيداً.

• الثاني عشر من آذار انتفاضة قامشلو، والتي تُعدّ بحق حجر الأساس لثورة روج آفا وشعوب سوريا.

• الخامس عشر من آذار 2011 بدء الاحتجاجات السلمية للشعب السوري في مواجهة ظلم واضطهاد وتعسف النظام الأمني القمعي الحاكم.

• السادس عشر من آذار قصف النظام البعثي العراقي مدينة حلبجة بغاز الخردل وسقوط أكثر من 5000 شهيد خلال ساعة جلّهم من الاطفال والنساء.

• الثامن عشر من آذار 2018 وصول الغزاة والمحتلين الأتراك ومرتزقتهم إلى داخل مدينة عفرين بعد مقاومة أسطورية لأبناء الشمس والنار لمدة 58 يوماً في المرحلة الأولى من المقاومة.

• عشرون آذار 1982 أشعل مظلوم دوغان شعلة النوروز بجسده الطاهر، داخل سجن آمد العسكري وبذلك أصبح كاوا العصر.

• الحادي والعشرون من آذار كل عام الاحتفال بالعيد القومي للشعب الكردي، وبمناسبة انتصار الميديين بقيادة تحالف الشعوب والقضاء على ظلم الإمبراطورية الآشورية سنة 612 ق م.

• الثالث والعشرون من آذار 2002 رحيل الشاعر الكبير سيداي تيريج.

• السابع والعشرون من آذار 2018 تأسيس حزب سوريا المستقبل في مدينة الرقة السورية.

• الثامن والعشرون من آذار 1986 استشهاد المناضل، والقائد الكبير معصوم قورقماز (عكيد).

• الثلاثون من آذار من عام 1972 استشهاد المناضل والثائر ماهر تشايان إثر مجزرة قزلدرة في اسطنبول.

• الحادي والثلاثون من آذار 1947 إعدام السلطات الإيرانية المجرمة للقاضي محمد رئيس جمهورية كردستان الديمقراطية، التي أُعلنت في مهاباد بروجهلات كردستان.

الشعب الكردي واجه الكثير من الظلم والماسي من قبل المحتلين لجغرافية كردستان منذ التاريخ وإلى اليوم، فنصيب الكرد من الظلم والقهر كان كبيراً، لكن لا تمر كل هذه الأحزان بدون أن يتخلله يوم فرح، فيوم نوروز هو يوم الشفاء والتداوي من كل الآلام، يوم تجديد العهد على مواصلة الحياة، ورحلة النضال والمقاومة من أجل البقاء وحفظ الهوية الكردية النقية بين الأمم.