الانفصال… مصطلحٌ مطاطيّ

رامان آزاد_

لا تنفكُّ موسكو تصف الإدارة الذاتيّة بأنّها مشروع انفصالي، رغم مخالفةِ ذلك للواقعِ وكلّ معطياتِ الميدان، بل إنّ القواتِ الروسيّةَ كانت موجودةً في عفرين اعتباراً من 20/3/2017، وانسحبت منها عشية العدوان التركيّ على عفرين، ومن ثم تم احتلالها، فهل الاحتلالُ التركيّ كان ضمانة منعِ الانفصالِ؟

في مرحلةٍ ثانية ومع بدءِ العدوانِ التركيّ على سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض في 9/10/2019، حضرت القواتُ الروسيّة، فيما كانتِ القواتُ الأمريكيّة قد أخلت بعضَ مواقعها، وسيّرتِ القواتُ الروسيّةُ دورياتٍ مشتركةً مع جيش الاحتلالِ التركيّ، في عددٍ من مناطق شمال وشرق سوريا، ورغم أنّ المشهد العسكريّ في شمال وشرق سوريا ينطوي على تعددِ الوجودِ العسكريّ، والقواتُ الروسيّةُ عززت وجودَها في عدةِ مناطق، إلا أنَّ موسكو لم تتوقف عن توصيفِ الإدارةِ الذاتيّة بأنّها مشروعٌ انفصاليّ، وبعبارةٍ أخرى تناقضُ موسكو نفسها، فالانفصالُ يعني الاستقلالَ وانتفاءَ أيّ وجود عسكريّ آخر إلا للقواتِ التي أعلنتِ الانفصالَ!

 اتهامات موسكو يناقضها أيضاً موقفان أقرّت فيهما بشكلٍ غير مباشرٍ بوضوحِ مشروعِ الإدارةِ الذاتيّةِ وأنّه غير انفصاليّ، مرةً لدى افتتاحِ ممثليةِ الإدارةِ الذاتيّة في موسكو في 11/2/2016، والثانية عندما قامت برعايةِ وثيقة التفاهم بين الإدارة الذاتيّة وحزب الإرادة الشعبيّة في 31/8/202، والذي تضمن المحافظةَ على وحدةِ الأراضي السوريّةِ.

 وفي تناقضٍ آخر يخرجُ من وقتٍ لآخرٍ مسؤول روسيّ رفيعٌ في الخارجية الروسيّة عن الحوار مع دمشق، إلا أنّ موسكو لم تقم بأدنى مبادرةٍ لرعايةِ هذا الحوارِ، وكان آخرهم تصريح نائب وزير الخارجيّ الروسيّة ميخائيل بوغدانوف في 17/2/2022، حول مشاركةِ ممثلي مجلس سوريا الديمقراطية في عمليةِ الإصلاحِ الدستوريّ بسوريا، إلا أنّ كلّ تصريحات المسؤولين الروسِ لم تتجاوز كونها رسائل إلى أنقرة، وبخاصةٍ اليوم مع انحيازِ أنقرة إلى جانبِ كييف.

بدون مقدماتٍ وقّع الرئيس الروسيّ بوتين في 21/2/2022على وثيقةِ الاعترافِ بمشروعين انفصاليين في إقليم دونباس لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك اللتين أعلنتا الاستقلالَ من طرفٍ واحدٍ، وكان ذلك مقدمةً ليضمنَ غطاءً قانونيّاً للتدخّلِ العسكريّ فيها، وفي صباح الخميس 24/2/2022 أعلن الكرملين عمليةً عسكريّة موسّعةً شرق أوكرانيا وقال إنّ ذلك لمنعِ اضطهادِ المواطنين الروس من قبلِ أوكرانيا، في تكرارٍ لمشهدِ استقلالِ شبه جزيرة القرم بعد يوم واحد من الاستفتاء في 16/3/2014، ثم قامت بضمّها، إلا أنّ موسكو لم تعارض عمليات الجيش التركيّ لمنع اضطهاد المواطنين في شمال وشرق سوريا!

 وبذلك؛ فإنّ مصطلحَ الانفصالِ، مطاطيّ مرنٌ، يتم صوغه في موسكو حسب الطلب.