ألم يبقَ من الإنسانية إلا اسمها!؟

دجوار أحمد آغا_

تمر علينا هذه الأيام أحداث جرت في نهاية القرن الماضي، ولكنها لم تنتهِ حينها، بل استمرت في التفاعل والتأثير على شعوب المنطقة، وتحولت فيما بعد إلى قضية عالمية، حيث شمل تأثيرها معظم مناطق العالم، هذه الأحداث –إن جاز التعبير-تبلورت في فترة زمنية بدأت بتاريخ التاسع من تشرين الأول 1998، واستمرت لغاية 15 شباط 1999، وهي الذروة، التي وصلت إليها المؤامرة الدولية، التي جرت بحق مناضل، وقائد لحركة تحرر وطنية لشعب يتعرض للإبادة، وللصهر، وللانحلال، وأقصد هنا شعبنا الكردي، المؤامرة بدأت ضد القائد، والمناضل عبد الله أوجلان، حيث ضغطت قوى الهيمنة العالمية في سبيل التخلص من هذا المكافح الصلب والعنيد، الذي لم يحنِ الرأس لهم كما كانوا يشتهون، ما دفع بهم لتوجيه آلة الحرب التركية، نحو سوريا، والضغط عليها من أجل إخراج المناضل أوجلان من ساحة الشرق الأوسط، حيث يزداد التواصل، والتلاحم بين القائد والشعب الكردي على وجه الخصوص، وبقية شعوب المنطقة، التي أصبحت، تسعى، وتعمل من أجل التعرف على فكر، وفلسفة القائد في العمل للوصول إلى الحرية، والديمقراطية الحقيقية وليس المزيفة التي يدّعونها.

وجه الجيش التركي أسلحته وجنوده، باتجاه الحدود الشمالية لسوريا مهدداً باجتياحها، إن لم تُخرِج أوجلان من أراضيها، أمام هذه الضغوط الكبيرة والجدية، قرر القائد أوجلان الخروج من ساحة الشرق الأوسط، والتوجه نحو بلدان أوروبا، التي تدّعي الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان من أجل عرض قضية شعبه أمامهم، لكن الذي حدث كان مؤامرة دولية، شاركت فيها القوى المتنفذة والمهيمنة على العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبمشاركة روسيا الاتحادية، واليونان وإسرائيل، ومصر، حينها والكثير من الدول، التي انخرطت في المؤامرة، وشاركت فيها، بالإضافة إلى صمت العالم المطبق حول ما يجري، خاصة من دعاة حقوق الإنسان، والديمقراطية، والحرية، وهنا لا أستثني أحداً –اللهمَّ سوى حكومة “ماسيمو داليما” اليسارية في إيطاليا حينها- والتي لم تستطع أن تقف في مواجهة الضغوط الهائلة عليها، فأخرجت القائد من روما بعد أن بقي فيها ما يقرب الشهرين، لكنه أُرغم على الخروج منها، وتوالت خيوط المؤامرة، فبقيت طائرته في أجواء بلدان أوروبا “الديمقراطية ” و”الحرة” لمدة أربعة وعشرين ساعة، دون أن يفتح أي مطار أوروبي أبوابه لها، فلا أمستردام ولا أوسلو، لا لاهاي ولا ستوكهولم، لا بروكسل، ولا ستراسبورغ، ولا جنيف، لم تقبل أن تستقبل هذا المناضل، الذي دق أبواب ما يُسمى بـ”العالم الحر” دون الحصول على الجواب، وهو الذي تعرض في بداية المؤامرة إلى الخيانة من اليونانيين ومن بعدهم الروس، والإيطاليين، والقبارصة وغيرهم.

المسألة المهمة هنا، وجوهر هذه المؤامرة يكمن في فكر وفلسفة هذا القائد والمفكر، فهو لم يوجه قواته للقيام بأي عمل إرهابي على أراضي أية دولة من دول العالم ورغم ذلك، فهم قد وضعوه وحزبه حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب، وذلك إرضاء لرغبات ربيبتهم وحليفتهم تركيا، على الرغم من معرفتهم جميعاً، وجيدا أن تركيا تمارس سياسة وحشية في إبادة الشعب الكردي، وترتكب بحقه يومياً المجازر مثلما فعلت من قبل، بالشعب الأرمني والسرياني وحتى العربي، لكن هذا العالم وهذه الإنسانية التي تدّعيها دول أوروبا، وأمريكا تقف عاجزة عن كبح جماح هذا النظام القمعي، بينما نراها قد تدخلت في الكثير من الدول الأخرى مثل العراق، وليبيا، وأفغانستان، ويوغسلافيا..

مرت ثلاث وعشرون سنة، والمناضل أوجلان، يقبع وراء جدران المعتقل في جزيرة “إمرالي” سيئة الصيت في بحر مرمرة، والأنكى من ذلك تقوم الفاشية التركية بفرض عزلة مشددة بحقة وتجرده من الحقوق المدنية كافة، التي يتمتّع بها السجناء، وتحت أعين المنظمات الدولية المناهضة للتعذيب الدولية، وكذلك تحت أنظار العالم والإنسانية جمعاء، هذه الإنسانية التي لم يبقَ منها سوى اسمها.

نترك لكم التعليق.