دجوار أحمد آغا_
بات الأمر معروفاً للقاصي والداني، ولم يعد خافياً على أحد، فالكرد وحلفاؤهم العرب والسريان وبقية شعوب المنطقة، لم ولن يتراجعوا قيد أنملة عن مطلبهم المشروع في إدارة أنفسهم بأنفسهم وفق فلسفة الأمة الديمقراطية، والعيش المشترك، لا سيما وأنهم تنشقوا هواء الحرية، وقدموا الآلاف المؤلفة من خيرة أبنائهم، وبناتهم قرابين على مذبح الحرية جبناً إلى جنب في معارك طاحنة وبمواجهة أعتى الإرهابيين، الذين هربت الجيوش من أمامهم، كما شاهد العالم بأم عينه الطواف الكردي والعربي والآشوري والسرياني، المسلم والمسيحي والايزيدي كتفاً بكتف يطوفون حول جثامين 121 قديساً شهيداً، قدموا أرواحهم في سبيل القضاء على الهجوم المنفذ من جانب مرتزقة داعش، والخلايا النائمة والعناصر التي تسربت إلى مناطق شمال وشرق سوريا من المناطق المحتلة من جانب دولة الاحتلال التركي والمرتزقة، حيث كانت المؤامرة كبيرة وتستهدف بداية من خلال الهجوم على سجن الصناعة بغويران في الحسكة، هذا الهجوم المتزامن مع استعصاء قام به المرتزقة السجناء داخل السجن حيث سيطروا على السجن من الداخل، وقاموا بالتواصل مع العناصر المهاجمة من الخارج، وكان الهدف إخراج المرتزقة السجناء البالغ عددهم حوالي 5000 مرتزقة ومن ثم التوجه نحو مخيم الهول، وإخراج عوائلهم من المخيم والسيطرة على مناطق الحسكة والهول والشدادي وريف دير الزور، ذلك كله لم يكن ليحصل لولا الدعم والمساعدة التي تلقاها المرتزقة من الحاضنة الأم لهم دولة الاحتلال التركي وبتواطئ من روسيا والنظام السوري وإيران وغض الطرف من جانب التحالف الدولي بقيادة أمريكا، لكن الذي حصل فاجأ العالم وأذهله، فلم يكن أكثر المتفائلين يعتقد بقدرة قوات سوريا الديمقراطية، وقوى الأمن الداخلي بأصنافها وتشكيلاتها كافة من القيام بتطويق السجن، والمناطق المجاورة من الأحياء الشعبية والقيام بمقاومة منقطعة النظير في مواجهة وحشية وهمجية القتلة، سواء المهاجمون من الخارج أو الموجودون داخل السجن، والذين اتخذوا من العاملين المدنيين في السجن دروعاً بشرية، وبايعوا قادة وأمراء لهم للقتال حتى الموت، لكن رد الفعل الحازم والمنضبط والقوي الفعّال الذي قامت به قيادة قوات سوريا الديمقراطية، وقوى الأمن الداخلي كان ذا وقع كبير على المجتمع المحلي والإقليمي والعالمي، حيث تلقت دعماً غير محدود من الأهالي ومن قوات الحماية الجوهرية، ومن سائر أبناء الحسكة، الذين لم يتركوا مدينتهم ولم يغادروها أبداً، على العكس من ذلك تماماً قاموا بحمل السلاح وحماية وحراسة أحيائهم والتنسيق المباشر مع القوى الأمنية والعسكرية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مقاومة باور جودي “مالك معيش” ورفاقه داخل السجن، وبقاؤهم خلال خمسة أيام محرومين من أية مساعدة أو مساندة يواجهون أعتى القتلة، والمجرمين في العالم داخل السجن وفي ظروف بالغة القسوة والتعقيد، دون مؤنة غذاء ولا ماء ولا نوم، هذه المقاومة شكلت نقطة عبور لإرادة فولاذية ترفض الاستسلام، وتقاوم حتى النهاية.
إن ما جرى في مقاومة الأيام السبعة كان استثنائياً بكل المقاييس، فهذه المقاومة كان انتصاراً تاريخياً لقواتنا التي قدمت التضحيات الجسام، لا يقل عن هزيمة “داعش” الأولى في الباغوز، فالهدف من هذه العملية كان إعادة إحياء “داعش” وبث الروح فيها من جديد لتتمكن من إعادة سيطرتها على مناطق (الحسكة، والهول والشدادي، وريف دير الزور) وصولا الى الرقة والطبقة ومنها تتمدد إلى مناطق تواجدها في البادية السورية، وتتواصل مع عناصرها في العراق لإعادة تأسيس ما سموها بـ”الخلافة الثانية” أو “الدولة الثانية للخلافة”.
نعم كانت التضحيات كبيرة قدمنا خلالها 121 شهيداً، 121 قديساً، فدوا وطنهم وشعبهم بأرواحهم الطاهرة الزكية، وبعد الانتهاء من الحملة، وتمشيط المناطق بدأت مراسم تشييع الشهداء بدءًا من (الشدادي 8 شهداء، كوباني 12 شهيداً، ديرك 10 شهداء، قامشلو 12 شهيداً، عامودا 6 شهداء، درباسية 10 شهداء، تل حميس 5 شهداء، تربه سبيه 5 شهداء، تل تمر 3 شهداء، الحسكة 23 شهيداً)، وهكذا كما حبات المطر التي ترطب الأرض وتنبت الزرع، توزعت جثامين الشهداء على معظم مناطق شمال وشرق سوريا، لكن شعوبنا لم يدفنوا شهداءهم في التراب، بل وضعوهم في القلوب، وعاهدوا وأقسموا على الانتقام لهم والسير على خطاهم حتى تحقيق النصر والظفر بالحرية.
لكن في الطرف المقابل كان هناك العدو المتعطش للدماء واقفاً بالمرصاد، لم يسعده خسارة ربيبته “داعش” في الحسكة، وبالتالي فشلت مؤامرته في احتلال المزيد من الأراضي، والقضاء على تجربة الإدارة الذاتية، التي أصبحت كابوساً تقض مضجعه، ويراها في أحلامه، فما كان منه هو أن يتوحش أكثر فأكثر، خاصة في ظل الصمت الدولي المتوقع كون معظم دول العالم تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، ومن هنا نرى أن معظمها قد أغلق عينيه وصم آذانه عن الوحشية والهمجية، التي تمارسها دولة الاحتلال التركي التي تخرق سيادة دول (العراق، سوريا) دون أي رد فعل حقيقي من جانب هذه الدول، ولا حتى استنكار ولا شجب أو تنديد، لذا، تقوم الطائرات التركية بقصف مخيم مخمور، وشنكال وكذلك مناطق عين ديوار وقرى في ريف ديرك إلى جانب استمرار قصفها لريف تل تمر، ومنبج والشهباء تزامناً مع المراسم، التي تقيمها شعوب شمال وشرق سوريا لأبنائها، الذين استشهدوا في مقاومة الحسكة.
لا يمكن للطائرات التركية أن تقوم بقصف هذه المناطق، والتي يوجد فيها قواعد عسكرية ومطارات للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، إن لم تحصل على الضوء الأخضر من الطرفين، أصبح هذا الأمر بحكم المؤكد والمفروغ منه، لكن الأهم منه هو كيفية معالجتنا لهذه القضية، وما مدى قدرتنا على التأثير في الرأي العام العالمي؟ وبالتالي جعل هذا الرأي العام أداة ضغط على حكومات الدول صاحبة النفوذ والقرار العالمي، بحيث تضع حداً لهذه الجرائم التي تمارسها دولة الاحتلال التركي بحق الشعب الكردي، وشعوب المنطقة كافة، لا بدّ من ممارسة السياسة وفق منطق السياسة، التي تفهمها هذه الدول، وسوف أذكر هنا نقطة وأترك لكم التعليق عليها، كما تعلمون فإن الولايات المتحدة الأمريكية قادت حملات دولية، وأقامت العديد من التحالفات الدولية لمواجهة الإرهاب العالمي وبنتيجة هذه الحملات استطاعت القوات الأمريكية إلقاء القبض على العديد ممن تراهم إرهابيين، ويشكلون تهديداً على الأمن القومي الأمريكي، لذا وعلى الرغم من وجود الكثير من السجون والمعتقلات الأمريكية الفائقة القدرة والحصانة والشديدة الحراسة، إلا أن الامريكيين لم يضعوا أياً من هؤلاء الإرهابيون في أي سجن على الأراضي الامريكية، بل أنهم نقلوهم جميعاً إلى معتقل “غوانتانامو” الشهير على أراضي كوبا وهي بذلك أبعدت الخطر عن مواطنيها، لكن لدينا الأمر مختلف فلا توجد لدينا سجون ذات حراسة مشددة ولا ذات بنية تحتية مناسبة، كما أن العدد عندنا يتجاوز الآلاف بينما في غوانتانامو بضعة عشرات فقط ، برأي الشخصي والمتواضع أعتقد بأنه من الأنسب لنا أن تقوم قواتنا العسكرية بإرسال أو تسليم هؤلاء المرتزقة إلى النظام السوري، فهو لديه سجون ومعتقلات وليتحمل مسؤوليته.
أترك لكم التعليق.
