No Result
View All Result
المشاهدات 0
ليكرين خاني_
“حتى الأزهار تملك أشواكاً لتحمي نفسها”، ذكر القائد عبد الله أوجلان هذه الجملة في إحدى مرافعاته، ولهذه الجملة معنى عميق رغم بساطة التشبيه، فكل كائن حي، ولكي يحافظ على استمراريته وحياته، يحمي نفسه، ويقاوم، وكل مكان يحيا به المخلوق الحي لابدّ من طريقة حماية له من الخطر المحدق به، فكما نعلم أن الطبيعة يوجد فيها توازن واستقرار طبيعي، يوفر الحماية للكائنات كافة من الانقراض، فالإنسان كائن حي يعيش على سطح الأرض، وهو أيضاً مثل الكائنات الأخرى لديه غريزة فطرية، تمكنه من حماية نفسه، بدءاً من مكونات جسمه إلى طريقة عيشه، فكان الإنسان قديماً يحمي نفسه بشتى الطرق البدائية، وبعدها تأقلم للعيش ضمن مجموعات صغيرة تسمى “الكلان”، ومن أجل أن يحمي الإنسان نفسه ضد الكوارث الطبيعية وظروفها الصعبة، اجتمعوا سويا؛ ليكونوا ما يسمى بالمجتمع الطبيعي، فكانت المجتمعية الطبيعية قوة لا يستهان بها، حيث تمتعت بطابع أخلاقي ديمقراطي، تسود فيه العدالة والمساواة والاحترام المتبادل، كما وجدت قوانين طبيعية؛ لضمان التغذية وحماية الإنسان من الجوع، وإن هذه الخاصية جعلته مبتكراً ومبدعاً وقوياً في مواجهة الصعاب، مهما كان نوعها، فإن هذا المجتمع بنى لنفسه قوة جوهرية، تحميه من هجمات الأعداء الخارجية والأخطار المحدقة، إلى أن ظهرت الدولة القومية، التي كان لها أثر واضح في تحريف الحماية الجوهرية من معناها الحقيقي، لتجعل الحماية حكراً على طبقة معينة، وخداع الشعب بحماية الدولة له، وهي التي تؤمن متطلبات الحياة للشعب، فأصبح المجتمع قطيعاً، يتحكّم به أصحاب السلطة والمال، وتحول المجتمع إلى مجتمع خانع، ومستسلم، وابتعد تدريجياً عن قيم المجتمع الديمقراطي والأخلاقي الحر، من خلال سن قوانين ودساتير لخدمة الأنظمة الدولية والرأسمالية، وبهذا المعنى خلقت الدولة إنسانًا أنانيًا، لا يفكر سوى في تأمين المعيشة، وأصيب المجتمع بالشلل والجماد الفكري، فإن عزْل الإنسان والمجتمع من آلية الدفاع المشروع، وجعْلَه خانعاً وعبداً من أكبر أنواع الاضطهاد.

الحماية الجوهرية ضمان لاستمرار المجتمع
إن معنى الحماية الجوهرية، أو الدفاع المشروع، لا يقتصر على التسلح فحسب، بل التحلي بوعي أيديولوجي فكري تحرري أيضاً، فنظام الدولة قضى على ثقافة المجتمعات، وصهر لغاتهم، وحرّف تاريخ الشعوب عن مساره الصحيح، بفكر القوموية الرجعية، المبني على الترهيب، والقتل، والاستبداد؛ من أجل حماية الوجود والاستمرارية، ففلسفة الأمة الديمقراطية عرفت لنا ماهية مفهوم الدولة القومية، وشرحت لنا النظام المجتمعي الطبيعي، الذي كان بغنى عن الدولة، فكان لفكر الأمة الديمقراطية أثر كبير على شعوب شمال وشرق سوريا، فمنذ بداية الأزمة في سوريا، تم خلق نظام ديمقراطي شبيه بنظام المجتمع الطبيعي، حيث العدالة، والمساواة، واستعادة قيم المجتمع وتاريخه، من خلال بناء مؤسسات المجتمع المدني، وأصبحت الحماية الجوهرية، هي أساس بناء المجتمع، فحماية الفرد لنفسه هي ضمان لاستمراريته، فمفهوم الإدارة الذاتية، هو مفهوم عميق، وإذا ما بلغ أي شعب إلى الوعي الكافي، فبإمكانه إدارة نفسه بنفسه، وحماية نفسه من شتى أنواع المخاطر، جسدية كانت أم فكرية.
المقاومة ضد أساليب نظام الدولة القومية
إن نظام الحداثة الرأسمالية المتمثل بالدولة القومية، قضى على ثقافة الشعوب، ولغتها الممتدة إلى آلاف السنين، وحولها إلى نظام نموذجي قائم على العلم الواحد، والتاريخ الواحد، واللغة الواحدة، والسيطرة على العقول من خلال غرز القيم اللاأخلاقية بالوسائل كلها، فمن بالغ الأهمية، أن يصل المجتمع إلى مرحلة من الإدراك، والوعي؛ ليستطيع حماية نفسه من الاندثار والضياع، فغزو العقل هو من أخطر أنواع الإرهاب، وهو أخطر من الحروب الحقيقية، وهو ما يُسمى بالحرب الخاصة، التي تنتشر بسرعة كبيرة بين المجتمع، فالتدريب الفكري ومن خلال الأكاديميات الفكرية، والمداومة على الاطلاع، وعلى قراءة الكتب الفكرية السليمة، ومعرفة مخاطر الحرب الخاصة؛ لحماية المجتمع وقيمه من الضياع، والحفاظ على ثقافة الشعوب ولغاتهم، هي من أسمى مفاهيم الدفاع المشروع، فأيديولوجية الدولة القومية، القائمة والمسيطرة منذ آلاف السنين، لا يمكن التخلص منها سوى بتسلح الوعي، وبمقاومة جميع أساليب الحرب الخاصة كلها، التي تهدف إلى محو قيم وثقافة المجتمعات.
No Result
View All Result