حركة التحرّر الكُردستانية.. ثورة فكر متجدّد

سوزان علي-

من رحم المعاناة؛ ومن مقولة “كردستان مستعمرة” وبفكر بضعة طلبة جامعيين؛ شهد كردستان، والشرق الأوسط ولادة فكر حرّ؛ غيّر مسار التاريخ في المنطقة، وأحيا مفاهيم وقيماً كانت غارقة في سبات الخنوع والاستسلام.. كان ذلك الفكر هو غرس بذور لتأسيس حركة التحرر الكردستانية، التي اجتازت اليوم عامها الثالث والأربعين بهمة وروح الشبيبة..

أحدثت حركة التحرر الكردستانية، خلال أعوامها الأربعين المنصرمة، بريادة القائد عبد الله أوجلان نقلة نوعية في كردستان، والشرق الأوسط، بل والعالم برمّته، حيث تبنّت الفكر الاشتراكي، ونهج الأمة الديمقراطية في احتضان الشعوب قاطبة دون تمييز، والدفاع عنها، والتصدي للذهنية الرأسمالية، وللنظام الدولتي، الذي شكلته الدول الرأسمالية في الشرق الأوسط، للتحكم بشعوبها من خلاله، كما وتبنّت الحركة نهج حرية المرأة، فكان تشكيل وحدات المرأة الحرة ـ ستار ضمن صفوف الكريلا، خطوة هامّة في قدرة المرأة على حماية ذاتها، والدفاع عن نفسها، وعن محيطها ليس من الناحية الجسدية فحسب، بل من الناحية الفكرية أيضاً، فمن خلال تلك الحركة، تعرّفت المرأة على كينونتها، وأدركت ذاتها، واستشعرت حريتها المفقودة منذ آلاف السنين، فأزهر فكرها نضالاً ومقاومة، وكان ثمار نضالها التصدي لذهنية المجتمع الذكورية، وتحطيم العنف المُمارس بحقها. ووجدت المرأة حقوقها وكرامتها مصانة ضمن الحركة، فانضمت آلاف النساء إليها، فأولى قائد الشعب الكردي الاهتمام بالمرأة، وحض المرأة على استرداد هويتها بنفسها، من خلال النضال، وتلقي التدريبات الأيديولوجية والعسكرية، وفلحت في ذلك فباتت مقاتلة، وإعلامية، وسياسية.

تصدت حركة التحرر الكردستانية للظروف الحالكة، التي مرّت على الكُرد في باكور كردستان، والأجزاء الباقية، وكان لمقاومة سجن آمد تأثير كبير في بناء الحركة ومتانتها، حيث كان لمقاومة رواد الحركة الأوائل؛ مظلوم دوغان، وحقي قرار، وكمال بير، وعاكف يلماز، ومحمد خير دورموش، صدى كبيراً في كردستان، المقاومة التي غيرت الواقع الكردستاني في التصدي لذهنية الاحتلال، واتباع نهج المقاومة، والتحلّي بالإرادة الحرة، ولا ننسى قفزة الخامس عشر من آب التاريخية في إطلاق الرصاصة الأولى ضمن حق الدفاع المشروع.

اعتنقت حركة التحرر الكردستانية نهج الدفاع المشروع في حماية شعوب المنطقة، وردّ العدوان، وفي هذا الإطار تصدت لهجمات دولة الاحتلال التركي المتكررة على مدار أعوام على جبال كردستان، سواء في آفا شين، زاب، كاري، ومتينا والرامية لإبادة الكرد بشكل ممنهج، واستخدامها للأسلحة المحرمة دولياً. وعلى الرغم من إعلان حركة التحرر الكردستانية الهدنة، ووقف إطلاق النار مراراً إلا أن المحتل التركي لم يلتزم بتلك الاتفاقيات واستمر في استئناف هجماته بين الفينة والأخرى، وسعى بطاقاته وإمكاناته كلها في إدراج الحركة ضمن قائمة الإرهاب الدولية وفلح في ذلك، ولا ننسى عزله لقائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان في جزيرة إمرالي، ومنع زيارة ذويه ومحاميه عنه؛ خشية نشر فكره الحرّ، حيث أحدث القائد أوجلان ثورة ذهنية من خلال تحليل الواقع المعاش، والتاريخ وربطهما معاً، وكذلك تحليل الأنظمة الاستبدادية ومساعيها في التحكم بالشعوب واستغلالها. واليوم وبنتيجة مقاومة قوات الكريلا، التي تركت صداها في العالم في تحليها بالقيم الإنسانية واتخاذ مبدأ “الموت من أجل الحياة” وعدم التردد في الدفاع عن الشعوب المظلومة؛ تطالب الشعوب الكردستانية والشرق أوسطية وكذلك الشعوب الأوروبية المجتمع الدولي، بإخراج حركة التحرر الكردستانية من قائمة الإرهاب، ويتم العمل على ذلك في المحافل الدولية.

لم يكن نضال حركة التحرر الكردستانية، نضالاً مرتكزاً على الناحية العسكرية فقط، بل كان مبنياً على الناحية الفكرية أيضاً من خلال كسر العادات البالية، والتصدي للأنظمة الدولتية القوموية، واستبدال الفكر السلطوي المعشعش في ذهنية المجتمع بالفكر الديمقراطي الحرّ، حتى أحدث ثورة فكرية لا مثيل لها في تاريخ الثورات العالمية، بات فكر حركة التحرر الكردستانية المخلص للشعوب المضطهدة، والحل لقضايا الشرق الأوسط العالقة.