قامشلو/ ميديا غانم – ظهور حزب العمال الكردستاني كان لشعوب كردستان بمثابة إحياء شجرة تكاد أن تيبس فسقاها بدمه وغذّاها بجسده وأشرق نور شمسه عليها بفكره الحر.
تمر ذكرى ميلاد حزب العمال الكردستاني (PKK) والتي تمتد من ميراث نضالي طويل لأكثر من 43 عاماً، والذي أسسه مجموعة ثورية كردية في آمد بتاريخ 27 -11- 1978 وانتخبوا القائد عبد الله أوجلان سكرتيراً للحزب، فكيف تأسس هذا الحزب، وما أهدافه وكيف استطاع الاستمرار في ظل الظروف الحالكة؟
تأسس حزب العمال الكردستاني على نهج وفلسفة القائد عبد الله أوجلان ونجح في استمراره لأنه نشأ في ظل الظروف التي فُقِد فيها الأمل بتركيا، حيث كان الشعب الكردي يعيش تحت وطأة الظلم والاضطهاد والإبادة في الأجزاء الأربعة من كردستان، فقد عَرَّف القائد عبد الله أوجلان الاستعمار التركي لكردستان آنذاك بالقول: “الترك يريدون أن يحولوا كردستان إلى مركز لنشر القومية التركية، وكانت جميع سياساتهم على الصعيد الاجتماعي والثقافي والفني والاقتصادي والأمني والقضائي تقوم على أساس تتريك المجتمع الكردي، وكان الدستور الأساسي وكذلك الاستراتيجية القومية التركية كلاهما يخدمان هذا الهدف”. لذا انتفضوا مستندين على الشعب الثوري وصعّدوا النضال، والتف من حوله الكردستانيين وبخاصةً الشبيبة.
الظروف التي نشأ فيها الحزب..
وفي ذكرى تأسيس حزب العمال الكردستاني حدثنا الصحفي الكردي من باكور كردستان سيد أفران عن أسباب تأسيس الحزب والظروف التي كانت تمر بها كردستان وباكور كردستان بشكلٍ خاص آنذاك، قائلاً: “حين كنا صغاراً لم تكن لدينا أيّة فكرة عن هويتنا الكردية وقضيتنا الكردستانية في باكور كردستان، ولكن بعد أن وصلنا إلى مرحلة الدراسة الجامعية بالتزامن مع ظهور حركة الحرية وتأسيس حزب العمال الكردستاني في الثمانينيات حينها بدأ هذا الفكر ينمو في أذهاننا، وبفضله بتنا ندرك هويتنا ومن نحن ككرد وعلى الرغم من ظهور عدة انتفاضات كردية قبل هذه الحركة إلا أنها كانت الأكثر تأثيراً علينا فكرياً”.
وتابع: “فمع ظهور تأسيس حزب العمال الكردستاني بدأ الوعي الفكري بالهوية والحقوق الكردية يُبصر النور ليس فقط في باكور كردستان إنما في أجزاء كردستان الأربعة، بدايةً من باكور كردستان التي لم يتبقَ للكردي آنذاك أية صلة بهويته أو قضيته حتى باتت منسيةً لديه، فعلى سبيل المثال حين كنا نتكلم في المدرسة بلغتنا الكردية كنا نُعاقب بأشد العقوبات، فكرد باكور كردستان كانوا يتعرضون لإبادة وصهر ثقافي من قبل السلطة، وفي روج آفا لم يكن الحال أحسن، حيث كان الكرد حينها يعانون فيها بصمت تحت ظلم السلطة الحاكمة، أما في باشور كردستان فكانت هناك حركة كردية وحين كنا نسمع باسم البيشمركة كان يخلق لدينا حس بكرديتنا، وفي روجهلات كان نضال فؤاد سلطان ومن بعده قاسملو مستمر، ولكننا في باكور كنا بعيدين كل البعد عن هذا النضال ولم يكن لنا أي علم به”.
وزاد: “بالمجمل نستطيع أن نحلل وضع باكور كردستان بقول الشهيد حقي قرار: “كردستان كانت كشجرة تكاد أن تيبس ولكنها لم تيبس بشكلٍ كامل”، فجاء تأسيس حزب العمال الكردستاني كالشمس التي أشرقت بنورها على هذه الشجرة بفكره الحر، وسقاها بدمه، وغذّاها كالسماد من جسده، فهذا ما قدمته حركة التحرر الكردستانية التي تأسست بفكر القائد عبد الله أوجلان لكردستان، لقد سعوا كثيراً لإيباس هذه الشجرة وبكل السبل إلا أنه بفكر القائد آبو لا تزال هذه الشجرة مخضرة وتناضل للبقاء من خلال نضال الكريلا والشعب الكردي”.
وحيال الأساس الذي اتخذه القائد عبد الله أوجلان في نضاله قال: “بدأ القائد آبو نضاله على أساس الفكر الحر وغير التبعي لأي جهة، على عكس الكردي الذين كانوا يميلون دوماً لمساندة أعداء الشعب الكردي بغية تحقيق مصالحهم، فمثلاً باشور كردستان كان لديها القوة الكافية كي تناضل ولكنها اختارت أن تضع يدها بيد العدو على الرغم من وجود أكثر من مئة ألف من البيشمركة كقوة عسكرية لديها، القائد آبو حلل كل هذه النقاط وأوجد من التاريخ العِبر ليؤكد على أن الإنسان يجب أن يكون صاحب فكر وقوة غير تبعية مهما كوّن من علاقات إلا أن عليه أن يتخذ فكره ونضال شعبه أساساً له”.
“دخلت قلوب الشعب قبل منازلهم”
وزاد: “بعدها وبالأخص في عام 1979وصل الحزب لمرحلة تنظيمية متقدمة في باكور كردستان، دخلت الحركة في قلوب الشعب قبل بيوتهم واتخذت من نضالهم ودعمهم قوتها الأساسية، حيث كان القائد ذو نظرة مستقبلية وله تطلعات صميمية فقد كان يدرك بأن هناك مخططات تحاك من قبل الخونة لاستهداف المناضل حقي على يد الجواسيس التركية، لذا توسع القائد وخرج مع 250 مناضل من رفاقه ومعهم ونشروا فكر الحزب في أجزاء كردستان الأربعة كي لا تبقى محصورة وتختنق وبالفعل انتشر هذا الفكر الحر والتف حوله الشعب الكردي في كردستان بأجزائه الأربعة فبات الأمل لكل كردي نحو كردستان حرة، فكانت المرة الأولى أن يتحد الشعب الكردي ويبدأ بالتفكير بحقوقه ويطالب بها فانضم الكرد الأحرار من باكور وباشور وروجهلات وروج آفا لرفوف الكريلا”.
وبيّن أفران بأن هذا الانضمام الكبير جوبِه بعنف كبير من قبل الدولة التركية المحتلة كما استطاعت أن تجند الكرد الخونة كي تحارب بهم أخوتهم الكرد كما حصل في باشور كردستان، حيث قاتل الكرد الخونة هناك خدمةً للمحتل التركي، ولكن قوات الكريلا انتصرت في المقاومة بروح قفزة 15 آب وزادت من نضالها ضد هجماتهم.
كلما ازدادت الحركة نضالاً زادت الهجمات عليها من كل حدبٍ وصوب هذا ما أكده الصحفي أفران وأردف: “لأن حزب العمال الكردستاني لم يُهزم رغم هجماتهم وتهديداتهم والحصار الذي كانوا يفرضونه عليه ناهيك عن استخدام الكرد الخونة كأداة لتصفية الحزب إلا أنهم لم يلقوا إلا الهزيمة أمام حركة التحرر الكردستانية التي كانت تزداد قوةً وإصراراً، لذا استنفرت القوات الدولية خشيةً من قوة هذا الفكر الحر وانتشاره غير المتوقع من قبلهم، فأظهرت عداوتها لهم على العلن، وهنا استذكر قول الشهيد “دمهات قولبي” الذي قال حيال الوضع آنذاك: “جميع القوة العالمية وعلى رأسها حلف الناتو كأميركا وأوروبا تساند تركيا، فلم يبقَ إلى أن يجلبوا جنودهم ليحاربوا حركة الحرية بشكلٍ مباشر”. وعلى هذا النحو قامت ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي بإصدار قانون مجحف وغير عادل بوضع حزب العمال الكردستاني على “قائمة الإرهاب” هذا كان دورهم في محاربة الحزب، ومن جهة أخرى قامت أمريكا بمنح فدرالية لباشور كردستان بشرط أن تعادي حزب العمال الكردستاني، وفي النتيجة عام 1992بدأ العراك المسلح بين الحزبين الكرديين بفعل تركي”.
PKK اتخذت من أخوّة الشعوب أساساً لها في النضال عكس الدول القوموية والحركات الراديكالية، وتوسع أفران في حديثه حيال ذلك وأضاف: “يقول القائد آبو أن مسانديه ورفاقه في البدايات كانوا من شعوب البحر الأسود، فمنذ ذاك الحين نضال الحزب وميراثه كان قائماً على أساس أخوّة الشعوب والأمة الديمقراطية، ولأن فكر القائد كان مبني على هذا الأساس الدول القوموية كانت تخاف من فكره الحر لأنهم كانوا مدركين بأن توسع هذا الفكر هو بداية لنهاية مصالحهم وزعزعة لسلطتهم لذا كانوا يحاربونه بكل السبل والطرق، فعمدت تركيا عن طريق الناتو بتغيير أسلوب حربها على الحزب الذي فشلت في هزيمته وتصفيته كما كانت تأمل، وقامت بالمؤامرة الدولية على القائد آبو ورغم ذلك استمر الحزب في النضال ولم يتزعزع إيمانه بفكره الحر فلجأت لتأسيس مرتزقة داعش استمراراً للمؤامرة على حركة التحرر الكردستانية ورغم كل تلك المؤامرات والتحالفات وحده حزب العمال الكردستاني وقف في وجه أعداء الإنسانية ووحده ناضل لأجل شعوب الشرق الأوسط في وجه أعتى المتطرفين وحمتهم من الإبادة، لذا تجد مكانته محفورة في قلب كل إنسان ينتهج فكر حر”.
