دجوار أحمد آغا_
لكلٍّ شعبٍ في العالمِ طريقته وأسلوبه في خوضِ حربه الثوريّةِ في مواجهةِ المحتلين والطغاة، وفي سياقِ ظروفٍ خاصةٍ يتميّز بها كلُّ شعبٍ، إلى جانب أنواعِ المقاومةِ التي تخوضها هذه الشعوب خلال حربها الثوريّة ضدَّ القوى المحتلة والرجعيّة المحليّة والحكومات الدكتاتوريّة. والشعب الكرديّ ليس استثناءً، بل له نموذجه الخاص، وكذلك استثنائيّة ظروفه بسبب توزعه على عدة دولٍ وسياساتِ القمعِ والمنعِ الممارسةِ بحقه.
سنتحدث عن حرب شعبنا الكرديّ الثوريّة في وجهِ المحتلين الغاصبين لوطننا كردستان. إنَّ ثورة شعبنا الكرديّ الأخيرة بقيادة حزب العمالِ الكردستانيّ فتحت آفاقاً جديدةً أمام نضالِ شعوبِ الشرقِ الأوسط عموماً وشعبنا الكرديّ على وجهِ الخصوص، وتحديداً من ناحيةِ انطلاقةِ الكفاحِ المسلّحِ الذي نستطيع أن نقول إنّه “ميلادُ فجرٍ جديدٍ”.
قبل الدخولِ بتفاصيلِ الحربِ الثوريّةِ التي يخوضها شعبنا الكرديّ بقيادةِ طليعته حركة التحرر الكردستانيّ، سنستعرضُ موجزاً عن جغرافية كردستان وتاريخ الكرد ثم نتحدث عن الحربِ الثوريّةِ التي يخوضها شعبنا.
كردستان… الموقعُ والحدودُ
تقع كردستان في قلب الشرقِ الأوسط وتُقدر مساحتها بحدود 550 ألف كم2 يحدّها من الشمال تركيا وأرمينيا وجورجيا ومن الشرق إيران ومن الغرب تركيا والبحر المتوسط ومن الجنوب العراق وسوريا. وتمتازُ كردستان بموقعها الجيوسياسيّ الواقعِ على طريقِ الحريرِ الواصل بين آسيا وأوروبا. وبشكلٍ عامٍ تُعتبرُ أراضي كردستان مرتفعةً نسبيّاً وأعلى قمة فيها هي في جبل آكري (آرارات) 5165م كما أنّها غنيةٌ بالمياهِ، يكفي أن نذكر أنّها قديماً كانت تُسمى بـ”ميزوبوتاميا” أي بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات)، بالإضافة إلى غناها بالثرواتِ الطبيعيّة سواء الباطنيّة مثل النفط والكروم والغاز الطبيعيّ والفحم الحجريّ أو الخارجيّة كالقمح والقطن والزيتون وغيرها من الزارعاتِ الغذائيّةِ الاستراتيجيّةِ.
المدن والسكان والأديان
تُعتبر مدينة “كرمانشاه” أكبر مدينة في كردستان وتقع في الجزء الشرقيّ والمحتل من جانب إيران، تليها آمد “ديار بكر” والتي تُعتبر عاصمة كردستان وتقع في القلب منها بالجزء الشماليّ المحتل من جانب تركيا، بالإضافة إلى هولير “أربيل” عاصمة إقليم كردستان – العراق وقامشلو كبرى مدن روج آفا الجزء الملحق بسوريا، وهناك مدن (مهاباد – سنة “سننداج” – أورمية – وان – أرزروم – ماردين – عفرين – بتليس – كركوك – السليمانيّة – كوباني – الحسكة – سري كانيه – … وغيرها) والمئاتُ من المدنِ والبلدات. ويبلغ عددُ سكانِ كردستان نحو 50 مليون نسمة منهم 45 مليون كرديّ والبقية عرب – أرمن – آشور – سريان – ترك – فرس – شركس – شيشان – تركمان – لاز… وغيرهم.
توجد في كردستان العديدُ من الأديانِ السماويّة والطوائف والمذاهب الأخرى. والغالبيّة من سكانِ كردستان يعتنقون الدين الإسلاميّ ـ المذهب السنيّ، ويأتي المذهب العلويّ بالمرتبة الثانية ويتركز في مناطق ديرسم وكوركوم “مرعش” وملاطي وهناك الإيزيديّة والمسيحيّة إلى جانب الموسوية بالإضافة إلى الزردشتيّة والتي تُعتبرُ الدين الأساس والأصل للكرد. كما يعتنق قسمُ من السكان “اليارسانيّة” و”الشبكيّة” و”البهائيّة”.
تاريخ الكرد وكردستان قديماً
يحفل تاريخ الكرد وكردستان بالكثيرِ من الإنجازات الحضاريّة الكبيرة والعريقةِ في التاريخِ والتي أصبحت ملكاً للبشريّة جمعاء وأنارت طريقَ الحريةِ للشعوب وألقتِ الضوءِ على تطورِ الإنسان القديم خاصة مع اكتشاف حضارة “كري نافوكي” التي تعود إلى 11 ألف سنة خلت. وبالعودة إلى تاريخ الكرد وكردستان.
الكثير من المؤرخين والباحثين في الشأنِ الكرديّ الأجانب ونذكر منهم على سبيل الذكر وليس الحصر مينورسكي ونيكتين ولازاريف وادموندز وغنثر ديشنر ومارتن فان برونسن إلى جانب المؤرخين الكرد ومنهم شرفخان البدليسيّ ومحمد أمين زكي ود. كمال مظهر أحمد ود. جبار قادر وغيرهم، يذكرون أن الكُرد هم أحفادُ الميتانيين والهوريين والميديين وهم شعبٌ أصيلٌ في المنطقةِ منذ فجرِ التاريخ لم يُهاجر ويستوطن المنطقةِ مثل غيره من الشعوب (الترك – العرب) نموذجاً. ويُذكر أنّ الكرد قادوا كونفدرالية الشعوب ضد ظلمِ الإمبراطوريّةِ الآشوريّة واستطاعتِ الشعوب في نهايةِ المطافِ القضاءَ على هذا الظلمِ بالدخولِ إلى عاصمتهم نينوى سنة 612 ق. م بقيادة كي إخسار (كيخسرو).
الكُردُ وكردستان في العصر الحديث
يتميّز العصرُ الحديث للكرد بكثرة المآسي ويمكننا أن نعتبر بداية هذا العصر هو تاريخ تقسيم كردستان للمرة الأولى على إثر معركة تشالديران سنة 1514 وبموجب اتفاقية قصر شيرين سنة 1639 التي رسمت الحدودَ بين إيران وتركيا، ومن ثم تقسيمها للمرة الثانية إلى أربعة أجزاء بموجب اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916.
لم يهدأ شعبنا ولم يستكين للاحتلال والتقسيم، قامت ثورات وانتفاضات كثيرة وفي سائر مناطق الوطن المقسم والمجزأ رافضة هذا التقسيم الجائر والاحتلال البغيض. نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر (ثورات بابان – ثورة مير محمد باشا الراوندوزي – ثورة بدرخان بك الازيزي – ثورة الشيخ عبيد الله النهري شمزينان – ثورات ديرسم وآكري – ثورة سمكو آغا شكاكي – ثورة شيخ سعيد بيران – جمهورية كردستان بقيادة قاضي محمد – ثورات مصطفى البرزاني).
حرب الشعب الكرديّ الثوريّة
يُمكن القول بأنَّ حرب الشعب الكرديّ الثوريّة قد بدأت بالفعل مع انطلاقة حركة التحرر الكردستانية من خلال تأسيس حزب العمال الكردستانيّ PKK في 27 تشرين الثاني 1978 والذي يُعتبر بحق أول تنظيمٍ سياسيّ كرديّ تؤسسه مجموعة من الطلبة الكرد والترك من أصولٍ كادحة يستند في نضاله وكفاحه على الفكر الماركسي اللينيني الذي كان سائداً في تلك الفترة ومتبنياً تنظيم الشعب وتوعيته على هذا الفكر وبقيادة الطبقة العاملة والكادحة بشكلٍ عام وطليعتها المثقفين الثوريّين. هذه الأيديولوجية الفكرية التي تبناها الحزب كانت مهمة جداً في تلك المرحلة التي تصاعدت فيها ثورات التحرر الوطني واستطاعت العديد من شعوب العالم الانتصار في هذه الثورات وبدعم من المعسكر الاشتراكي القائم وقتها.
بالعودةِ لقراءةِ تاريخِ تحوّلِ الفكرِ الثوريّ الاشتراكيّ (الماركسيّ اللينيني) إلى اشتراكيّةٍ مشيّدةٍ ونظامِ حكمٍ وسلطةِ قمعٍ لإرادةِ الشعوبِ نذكرُ على سبيلِ المثال انتفاضةَ المجر (هنغاريا) سنة 1956- أحداث براغ (تشيكوسلوفاكيا) عام 1968- التدخل في أفغانستان 1979، إضافةً لدعمِ أنظمةٍ أخرى تدّعي الاشتراكيّةَ وتقمعُ إرادة شعوبها مثل نظام البعث في العراق وسوريا ونظام أثيوبيا وغيرها، ما دفع الحزب للبحثِ بشكلٍ أعمق في سيكولوجيّةِ الشعبِ الكرديّ والخروج بما يلائم خصائصه، فأعاد تنظيمَ نفسه وعقد الكثير من اللقاءات والاجتماعات مع معظمِ القوى الديمقراطيّة والاشتراكيّة إلى أن أفضت لتشكيلِ جبهةٍ موحدة لمواجهةِ القوى الحاكمة خاصةً بعد انقلاب 12 أيلول 1980 الدمويّ باسمِ “جبهة المقاومةِ الموحّدة ضد الفاشية”.
ضرورة الحماية الذاتية في كردستان
قبل تأسيس حركة التحرر الكردستانية وفي 18 أيار 1977 تم استهداف أحد مؤسسيها الكبار الشهيد حقي قرار أثناء قيامه بمهامه الثوريّة في ديلوك “عينتاب”. وأظهر هذا الاستهداف للحركةِ أهميّةَ وجود حمايةٍ ذاتيّةٍ خاصةً مع ازدياد أعداد العملاء والخونة المتعاونين مع النظام التركيّ، الأمر الذي دفع بالقائد أوجلان ورفاقه لإعلانِ تأسيسِ حزب العمال الكردستانيّ كقوةٍ طليعيّةٍ تحمي الوجودَ الكرديَّ وتدافعُ عنه. وقام أعضاءُ الحزبِ فيما بعد باستهدافِ ومعاقبةِ من ارتكبوا الجريمةَ بحقِّ الرفيق الشهيد حقي قرار ما أعطى ثقةً كبيرةً لكوادرِ الحركةِ والشعبِ.
توجهتِ الحركةُ بعدها إلى مواجهةِ الجماعاتِ الإرهابيّةِ الموالية للنظامِ الفاشي التركيّ وأعضاءِ حزبِ الحركةِ القوميّة MHP وحزبِ الله التركيّ، خاصةً بعد استهدافهم للشهيد خليل جاغون في حلوان. أثّرتِ المقاومةُ والنضالُ في كلٍّ من حلوان وسويرك ضد المرتزقة عصابات “السليمانيون” وعائلة “جلال بوجاق” -الذي فاقت جرائمه وتجاوزاته على الناس ما كانت تقومً به أجهزةُ الدولةِ التركيّة نفسها، بحيث بدأتِ الحركةُ ومن خلال رفاقها تحلُّ مشاكلَ الناسِ، ولم يتوجهوا للدولةِ التي بقيت محصورةً في مبانيها، كما تحولت بلدياتُ باطمان وسري كانيه (جيلان بنار) إلى بلدياتِ الشعبِ ما أكسب الحركةَ زخماً ودعماً جماهيريّاً وشعبيّاً كبيرين. وأصبح الشعبُ يثقُ بالحركةِ ويعتمد عليها، الأمر الذي دفع بالسلطةِ لارتكابِ المجازر بحقِّ الشعبِ، مذبحة كوركوم “مرعش” نموذجاً.
لم يعد أمام حركةِ التحررِ والانبعاثِ الوطنيّ خيارٌ سوى تبنّي العنفِ الثوريّ أسلوباً للنضالِ. ولم يبقَ سبيل سوى الدفاعِ عن الذاتِ بالعنفِ لحمايةِ الوجودِ في مواجهةِ العنفِ الذي يمارسه النظامُ المهيمن، كما كانت حركاتُ التحررِ الوطنيّة المتنامية على النطاقِ العالميّ تحققُ النصرَ بالحروبِ الشعبيّة، وهو كان العاملُ المشجّعُ للتوجّهِ نحو أسلوبِ الكفاحِ المسلّحِ الثوريّ.