No Result
View All Result
المشاهدات 2
مثنى عبد الكريم_
البوم أيّها السيّدات والسادة سأطير بكم جميعا الى الخلف؛ لأشارككم مقالا منذ عامين، أتّوجه بهذا المقال لمن يرفض أيّ معنى لمعاني الإنسانيّة ويتمسكّون بقوّة بأنصاف كلّ شيء، لن أقبل أن أكون نصفا، فوجب التنويه عبر نشر هذه المقالات، عندما تبتعد عن الناس وعن واقعهم، ثم تجلس في عرشك العاجي محاطاً بعتاد وعدّة وزبانية، كانوا بالأمس وحتّى الأمس القريب بلا هويّة، أمثالهم هم من يصنعون الطغاة بالشدّ على أياديهم.
يصفّقون ويهلّلون ويزغردون ويمجدّون وينحنون مطأطئي رؤوسهم في حضرة العرش العاجي المأثوم، عندها أعرف، ياصديقي، أنّه الآن قد بدأت حكاية وطن.
كلام قاله مسنّ تخطّى عتبة التسعين، كان يحلم منذ عقود ومنذ أجيال ومنذ بدء التكوين أنّه سيعيش في وطن بالتأكيد هو ليس الكاميلوت (المدينة الفاضلة) ولكنه وطن تخونه الدمعة التي تنزل في تجاعيد وجهه، قائلا: أنقذوا ما تبقى من حلم، وتعال يا ولدي لأحكي لك عن حلم، أخاف أن يضيع؛ فأدركوه، ومستقبل أخشى أن يخفت نوره؛ فأوقدوه اسمع يا ولدي: يحكى أنّه في يوم من الأيام كان هناك وطن، وكان كالأمّ يجمع أولاده حوله وحول ناره ونوره حوله رجال يجتمعون كصقور( زاغروس) قوّة، ونساء جميلات كجمال الفرات السرمدي، لكن الذئاب التي ترتدي أثواب الحملان وعمائم الشر ومسوح الرهبان وأوراق من علمانيّة، فصّلوا مقاساتها على مقاساتهم، وبما يناسبهم، قطعوا أجزاء من الأمّ؛ ليبيعوها لتجّار العهر، ويصبر الوطن، وتبكي الأمّ، وتنتحب الثّكلى، ويجلس اليتامى في زاوية حاوية مظلمة، ويبحثون عن لقمة خبز أكلها العفن، ليغطسوها بدمعة، ويبكوا القهر.
عندما يرون رجالاً كانوا بالأمس يبكون الظلم، وأيّ ظلم! ظلم ذوي القربى أشدّ قتامةً، يحكى أنّ الوطن المسروق المخروق المشنوق المخزوق المحروق المقطّع، حاول أن يتنفّس حاول أن يودِّع المسكين في غرفة الإنعاش، ويبدأ الهتاف عاش الوطن عااااش… عاش الوطن عااااااش..
ويصرخ الطّغاة: هلمّوا، يا جباة، ولتدفع الأثمان لعمليّة الإنعاش، وليلبس الشعب المسحوق الأكفان، ولتُقرع الأجراس، ولتُرفع الصلوات، تجمّعوا… تجمّعوا… في أوسع الساحات، ولتمتلئ جنباتها، ولتذبح الذبائح، فالوطن غالٍ، وستُدفع الشعوب، وتُحسر النساء عن شعورهنّ، ليندبن الوطن، وها هو الوطن… الوطن يخرج من غرفة الإنعاش.
محمولاً على صفحات الخطابات والبيانات والشعارات وأوراق التاريخ، وفوق أقلام الطغاة والمتملّقين، يصرخ الوطن عندما يرى أولاده مهجّرين مشرّدين مشرذمين على ترابه بلا قيمة، وأيّ قيمة لصحيفة من الحديد أكلها الصدأ.
يبكي الوطن حزناً وكمداً، ويشرب الحثالة كأسه، ويثملون وأي خمرة هذه يقول أحدهم، ليجيب آخر إنّها صرخات القهر، وآهات الظلم ودموع الجوع وبعض العُهر وخوف طفل من مجهول.
يصرخ الجميع: ما أروع هذه الخمرة، وتُرفع الكؤوس، وتُرفع الكؤوس، ينهض العجوز في كرسيه كنخلةٍ زيتونة حبة قمح أراد أن يحرقها عابر، لكنها تشمخ بعنفوان، تبرق العيون، ويشرق الجبين يقول: يا ولدي هناك أمل تنزل دمعة، تحمل الأمل في طيّات الألم، لا بدّ أن تشرق الشمس وإن طال الليل، لا بدّ للربيع أن يأتي، وإن طال الشتاء، وستحكي يا ولدي يوماً حكاية لوطن نهض رغم الحرائق كلّها، قاوم وصمد نفض عنه غباره؛ ليقف شامخاً ويصرخ أنا حكاية الوطن.
No Result
View All Result