ليلى موسى (كاتبة)-
استطاعت الدولة التركيّة بقيادة حكومة العدالة والتنمية التدخّل في الأزمة السورية عبر خطابها الغوغائي مستخدمةً تكتيكات ووسائل متنوعة ومتقلبة وغير ثابتة من خلال سياسة براغماتية انتهازية بحتة، مستفيدة من ضعف الانتماء الوطني لدى شريحة من الشعب السوري، التي كان ورائها عقود من السياسات التعسفية العنصرية الشوفينية الإقصائية التي مارسها نظام مركزي مستبد من جهة، ومن جهة أخرى استغلال الشعور بالمظلومية لدى شريحة واسعة من الإسلامويين السوريين؛ وبشكلٍ خاص جماعة الإخوان المسلمين، وكما عملت الدولة التركية على استغلال التناقضات الدولية وتسخيرها لمصالحها على حساب الجغرافيا والدم السوري.
منذ بداية الأزمة وتركيا تكذب
كما هو معلوم لجميع المتابعين للأزمة السورية كيف كانت الخطابات شبه اليومية لرأس النظام التركي أردوغان بنصرة الشعب السوري؛ والحديث الدائم عن إسقاط رأس النظام السوري الحاكم بشار الأسد، والترويج لخطاباته الغوغائية عبر أبواقهم الإعلامية التركية والقطرية؛ إلى جانب بعض السوريين المأجورين ممن يدعون على أنهم معارضة.
تمكن أردوغان عبر مرتزقة وإرهابيين من مختلف أصقاع العالم وسوريين إسلامويين راديكاليين متطرفين من السيطرة على مساحات شاسعة من الجغرافية السورية؛ وصلت إلى 70% من المجموع الإجمالي سواء بيد المعارضة الإسلامية الراديكالية المسلحة؛ بما تسمى بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو ما يُعرف بحكومة الإنقاذ الوطنية أو بيد ربيبتها داعش.
وبات سقوط بشار الأسد أيام معدودة بحسب الادعاءات التركية وأتباعها هذه الانتصارات المتسارعة وبوقت زمني قياسي، زاد من ثقة المعارضة السورية المتطرفة بالحكومة التركية، ودفعها للارتماء أكثر في الحضن التركي، لأن المعارضة الإسلاموية تلك لم تكن تحمل مشروعاً وطنياً حقيقياً سوى الصراع على السلطة وإسقاط النظام الحاكم، فكانت بمثابة ورقة قوية بيد تركيا لتحكم بها.
وبتوسع رقعة سيطرة المعارضة على الجغرافية السورية وارتهان المعارضة نفسها لتركيا، أصبحت ورقة ضغط قوية تمتلكها في بازارات التفاوض خدمةً لاستراتيجياتها التوسعية الاحتلالية وتدخلاتها الخارجية عبر عمليات المقايضة، فسلسلة عمليات المقايضة بدأت بعد دخول الروسي إلى سوريا بناءً على طلب الحكومة السورية 2015، وتساقط المنطقة تلو الأخرى بيد الحكومة السورية إلى أنْ تكلل الاتفاق بين الروس والأتراك والإيرانيين بمباحثات آستانا 2017، والمقايضة بين الروس والأتراك بتسليم منطقة مقابل الأخرى.
المقايضات أساس بقاء مرتزقة داعش
وكانت البداية من تخلي تركيا عن مدينة حلب السورية للنظام والروس وبالمقابل الحصول بموجبها على الضوء الأخضر للقيام بعملية ما سُمي بـ ” درع الفرات”، والتي تم بموجبها تسليم داعش كلٍ من الباب وإعزاز وجرابلس
لدولة الاحتلال التركي عام 2016؛ عبر مسرحية مفبركة، وكان الهدف الأساسي من خلفها إيقاف عمليات تحرير الأراضي التي كانت تقودها قوات سوريا الديمقراطية؛ بدعم ومساندة التحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي؛ وخاصةً بعد النجاح الساحق الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية بتحرير مدينة منبج، لأن من مصلحة تركيا وقتها كانت تكمن بالبقاء على وجود التنظيم والفصائل الراديكالية المتطرفة لتمرير مشاريعها وأجنداتها؛ لذا سارعت بإطلاق عملية درع الفرات للإبقاء عليهم في مناطق تواجدهم.