عبد الله أوجلان
علينا ألا ننسى أنّ علاقةَ ربِّ العمل – العاملِ المستقاةَ بإرثِها من علاقةِ العبدِ ـ السيد الممتدةِ لآلافِ السنين، تَنُمُّ عن أواصرَ وشيجةٍ موثوقةٍ بألف رابطٍ ورابط، وبعيدةٍ كلَّ البعدِ عن حصولِ تمرداتٍ جذريةٍ أو نجاحاتٍ كاسحةٍ تجاه ربِّ العمل، إلا بعضَ الأمثلةِ الاستثنائية. بل رَجَحَت كفةُ التبعيةِ لِرَبِّ العملِ بنسبةٍ ساحقةٍ في أساسِ سياقها. أما الحوادثُ المُسَمّاةُ بِتَمَرُّدِ العمال، فنشاهدُ أنها قد نَشَبَت بالأغلب على يدِ أشباهِ القرويين، والمناهضين للبطالة. وتلك التمرداتُ على صِلاتٍ وطيدةٍ بالتأثيراتِ الاجتماعيةِ العامة. وما ينعكس على علاقةِ ربِّ العمل – العاملِ إنما هو تلك التأثيرات. بل والأهمُّ من ذلك، فتَمَرُّدُ العامِلِ على رَبِّ العملِ ليس بصراعِ المطالبةِ بِحَقِّه (كنا بيَّنّا أنها معضلةٌ عويصة)، بل هو كفاحٌ تجاه التحولِ البروليتاري، وتجاهَ كونِه عاملاً أو عاطلاً عن العمل. إنّ رفضَ التحول إلى بروليتاريا أو عامل، ورفضَ البطالةِ هي كفاحاتٌ اجتماعيةٌ أخلاقيةٌ أسمى معنى. علينا عدمَ تبجيلِ العبدِ والقنِّ والعامِلِ على الإطلاق، باعتبارِهم مسحوقين. بل، وعلى النقيض، فالعلاقة والعملية التي ينبغي تبجيلُها، يُمكِنُ صياغتها على نحوِ: اللاعبودية، اللااسترقاق، اللاعمالية. أما الاعترافُ بالأسيادِ وتعريفُهم، ومن ثَمَّ تقديمُ الاقتراحِ على خَدَمِهِم بالكفاحِ ضدّهم، إنما هو النزوعُ المشتَرَكُ لشتى أنواعِ الانتهازية. وهذه هي الذهنياتُ التي طالما أَفرَغَت الكفاحاتِ في سبيلِ الحقِّ والكدحِ مِن مضمونِها طيلةَ سياقِ التاريخ. وباختصار، مِن غيرِ الممكنِ صياغةُ سوسيولوجيا قَيِّمةٍ، ولا تطويرُ كفاحٍ اجتماعيٍّ ناجحٍ بمصطلحاتِ «العِلمِ» تلك! وأُشَدِّدُ على أنه عندما نَذكُرُ هذه الأمور، فنحن لا ننكرُ الكدحَ، القيمةَ، الربحَ، والطبقة؛ بل نسعى لإيضاحِ عدمِ صوابِ نمطِ استخدامِ هذه المصطلحاتِ في إنشاءِ العِلم. إني أَوَدُّ توضيحَ أنّ عِلمَ الاجتماعِ قد أُنشِئَ على منوالٍ غلط.
يَقتَصِرُ مكانُ الرأسماليةِ ضمن الحياةِ الاقتصاديةِ للمجتمع على الطبقاتِ العليا. وهي تعتمدُ في بداياتها على تكديسِ التاجرِ الأكبرِ لِرأسِ المال عن طريقِ أسعارِ الاحتكارِ الدائرةِ في السوق. ورأسُ المال، حسبَ تعريفِه، هو القيمةُ النقديةُ المتعاظمةُ ذاتياً باستمرار، حيث يتم جني التراكماتِ القِيَمِيّةِ الكبرى تجاه الأسواقِ البعيدة التي تختلفُ أسعارُها عن الأخرى بنسبةٍ ليست بالقليلة. والسبيل الثاني لتعاظمِ رأسِ المالِ، هو القروض المُقَدَّمةُ للدولة كتمويلٍ مقابل الفوائدِ والالتزامات. أما الميادينُ والأوقاتُ الأخرى الهامةُ التي يَسمَنُ ويتورمُ فيها، فهي تصنيعُ المعادن، مراحلُ العَوَز والفاقة، وأوقاتُ الحروب. وإلى جانبِ التجارة، قد يَحتَلُّ مكانَه في الزراعةِ والصناعةِ والمواصلات، عندما يَكُونُ ذلك مُربِحاً. ومع الثورةِ الصناعية يَغدو القطاعُ الصناعيُّ مِن أهمِّ مجالاتِ الربح، حيث يتلاعبُ في كلتا المرحلتَين بنسبةِ العرضِ والطلب سعياً لتحديدِ نسبةِ الإنتاجِ والاستهلاكِ على السواء. وبمقدار تحكمه يُزيدُ من نسبةِ الربحِ لديه. من هنا، وبينما كانت التجارةُ الكبرى والصناعةُ ميدانَين للربحِ في مرحلتَي البدايةِ والنضوج في الرأسمالية، فإنّ القطاعَ الذي يَضَعُ ثقلَه في راهننا هو التمويل. وبينما تَكُونُ النقودُ، السنداتُ، البنوكُ، والائتمان والتسليفُ وسائلَ التمويل في بدايتها، فإنها، وبتسارعِ نموِّ الاقتصادِ الرأسمالي، تؤدي إلى اختصارِ الدورةِ الزمنيةِ للربح، وتكثيفِها، وتوسيعِ نطاقها. وهكذا تَتَشَكَّلُ فقاعاتٌ كبرى من المضارَبةِ في مجالاتِ الربح. وهكذا أيضاً تَغدو مراحلُ الأزمةِ جزءاً لا يتجزأُ من هذا الاقتصاد.