سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ضحايا لزواج “الحيار” بدير الزور..

لم يمضِ على زواج أميرة الشاويش (27 عاماً)، وهي من سكان مدينة البو كمال الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية بريف دير الزور الشرقي، من ابن عمها سوى بضعة أشهر، حتى قام الأخير بالزواج من فتاة أخرى.
و”الحيار” هو حجز الفتاة منذ طفولتها للزواج من أحد أبناء عمومتها ومنع زواجها من أيِّ شخصٍ آخر، وتجبر العادة المتوارثة الفتاة على الامتثال للزواج الإجباري عندما تكبر حتى إن لم تكن راضيةً به.
والعام الماضي، أُرغمت أميرة على الزواج رغم رفضها، لكن العائلة ضغطت على ابن عمها بذريعة أنها مُحيّرة له منذ كانت طفلة صغيرة.
وتجد “أميرة” نفسها ضحية لهذا الزواج الذي لم تقتنع به يوماً، كما أنها “لا تجرؤ” على طلب الطلاق بحكم العادات والتقاليد مجدداً والتي ما تزال تفرض سلطتها على العائلات والأفراد في أرياف دير الزور ذات الطابع العشائري.
ويرفض شباب وشابات في دير الزور والرقة والحسكة فكرة الزواج بتلك الطريقة أو غيرها من عادات زواج الأقارب، وسط مخاوفهم من حالات ولادة أطفال مرضى وذوي احتياجات خاصة إذ ما أقدموا على ذلك.
وفي ظل النتائج القاسية التي قد يترتب عنها الرفض المباشر، يلجأ هؤلاء لتأجيل موعد الزواج أو السفر أو أي طريقة أخرى للتهرب من إخضاع حياتهم للتقليد، وقد يفلح البعض في ذلك لكن آخرين يُرغمون على الزواج مُكرهين.
ويتفق أزواج من الجنسين أن النساء يدفعن “الثمن” أكثر من الرجال، فقد تصل عاقبة رفض الزواج من ابن العم للقتل، بينما تقتصر عقوبة الشاب الرافض للحيار ومشيئة العائلة على الطرد من المنزل أو الحرمان من ميزات مادية للعائلة.
وفي آذار عام 2009، قُتلت الشابة حمدة، من سكان مدينة الرقة، على يد ابن عمها الذي علم أن عمه سيزوج ابنته لآخر رغم تحييره لها.
وفي تموز الماضي، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحادثة قتل الفتاة القاصر في الحسكة عيدة الحمودي بذريعة الشرف بعد رفضها الزواج من ابن عمها ومحاولتها الهرب مع شاب آخر، بحسب ما نشرت وسائل إعلام محلية.
أطفال مرضى
ويتخوّف من يعرض عليهم زواج الأقارب أيضاً من المخاطر الصحية، ولا سيما أمراض وتشوهات الأجنة. وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن التقديرات على المستوى العالمي تشير إلى أن حوالي 7.9 مليون ولادة أو 6٪ من مجموع الولادات التي تحدث سنوياً تعاني من وجود خلل وراثي المنشأ أو خلل وراثي جزئي.
وتقول المنظمة إن الممارسات الثقافية، مثل زواج الأقارب، هي عوامل هامة في انتشار الاضطرابات الوراثية مثل الأمراض كالثلاسيميا وفقر الدم المنجلي.
وقالت حورية الطه (19 عاماً)، وهو اسم مستعار لشابة من الميادين، إنها “محيرة” لابن عمتها البالغ من العمر 20 عاماً ويقوم الأخير بتأجيل موعد الزواج “بحجة عدم امتلاك التكاليف”.
ويرفض ابن عمة “حورية” فكرة الزواج بها، كما أنه أبلغها أنه في حال جرى إجبارهما على تحديد موعد الزواج، فإنه سيتزوج منها لكنه سيُقبل على الزواج من فتاة أخرى يختارها بنفسه لتكون شريكة حياته.
وتشير الشابة، إلى أنه لا وجود لقاسم مشترك بينها وبين ابن عمتها سوى القرابة.
وفي حالات أخرى، قد يشمل عدم وجود التوافق بين القريبين فارقاً كبيراً في السن أو التحصيل العلمي أو غيرها مما يهتم المُقبِلون على الزواج بتوفره.
“لا حب بيننا”
ولا يجد عبد الرزاق العكلة (26 عاماً)، وهو شاب من البو كمال تم تحيير قريبته له، سوى التحجج بعدم عدم استقرار الوضع في المنطقة لتأجيل موعد زفافه.
ويرفض “العكلة” هو الآخر “الحيار” ويسعى جاهداً لتأخير موعد زفافه، إذ يعد عائلته أنه سيتزوج حال استقرار الوضع “أو عندما تنتهي الأزمة السورية”.
وفي هذه الأثناء، لا تجد الفتاة سوى الانتظار، في ظل رفض عائلتها لكل من يتقدم لخطبتها.
ووجدت حنان المهيدي (21 عاماً)، وهو اسم مستعار لشابة من البو كمال مُحيرة منذ الصغر لابن عمتها، في سفره إلى تركيا منذ عام 2017، “متنفساً” وسبيلاً لتأجيل الزفاف حالياً.
وتتمنى أن يبقى ابن عمتها في تركيا ويتزوج وينال السعادة، على أمل أن يعلن فك الحيار، وتقول: “إن لم يحدث ذلك سأصبح خادمة له بعد الزواج فلا رابط حب يجمعنا”.
وتشير إلى أنها تنهار كلما فكرت في عودة ابن عمتها يوماً إلى دير الزور، وأضافت: “سيتم تزويجي رغماً عني، سَيُدمر مستقبلي وستحدد العادات والتقاليد مصيري”.
وكالات