الإسلام والديمقراطية ـ6ـ

 محمد القادري-

(إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) إذا تفكرنا في قوله هذا صلى الله عليه وسلم نرى أنه يحكم ضمير الشعب ليحكم نفسهُ بنفسه.

ــ قوله: لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبه لنفسه، جعل صلى الله عليه وسلم علامة الإيمان الإحساس بالآخر وحب الخير له.

ــ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد.

ــ وقوله: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”. فقد وضع صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث مبدأ المساواة أمام القانون فلا أحد فوق حكم الله.

ــ قوله: لا فضل عربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى.

بيَّن أن ميزان التفاضل ليس بالعنصرية والعرقية وإنما التفاضل بالتقوى، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الحياة السعيدة للمسلمين تكون تحت حكم الأمراء الأخيار الذين يعدلون في القسمة ويشركون شعبهم في الحكم عن طريق الشورى.

 يقول صلى الله عليه وسلم: ‏إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم ‏سمحاءكم وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.

ــ ويدخل في السنة القولية له صلى الله عليه وسلم المجادلة والحوار، حيث كان في منتهى الحكمة والموعظة الحسنة ممتثلاً أمر الله سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (125).

كان جداله صلى الله عليه وسلم للتقارب والمشاركة في الدعوة ضمن المجتمع الإسلامي الذي سيؤمن بإله واحد: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (46) لم يكن جداله صلى الله عليه وسلم مع من يخالفه بالإكراه والإجبار وإن لم يسمعوا منه ولم يؤمنوا بما يقوله حيث كان مُذكّراً لا مسيطراً.

وكان يقول لمن يجادله ولا يقتنع بما جاء به: (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) 31 الطور.

(قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) 102 يونس.

(وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) 93 هود.

وترك الحكم لله سبحان وتعالى وحده في الأمم وجدالاتها مع بعضها ضمن مجتمع ديمقراطي مستقيم. “وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿68﴾ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿69﴾ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿70﴾” الحج.

وضمن حكم الشعب نفسه بنفسه جادله أصحابه قبل غزوة بدر: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) 6 الأنفال.

وهناك بصمة واضحة وعلامةً كبيرة على ديمقراطية حكم النبي صلى الله عليه وسلم ففي القرآن الكريم سورة اسمها (المجادلة)، حيث فيها ذِكرُ مجادلةِ إحدى الصحابيات للنبي صلى الله عليه وسلم في زوجها الذي كان ظاهراً منها وألحت عليه صلى الله عليه وسلم في الجدال وحاورته حتى نزل الوحي على ما ارتضت من الحكم.

ــ وتدخل المُحاجَجَة أيضاً في السُّنة القولية.

حيث كان صلى الله عليه وسلم يحاجج الشعب الموجود في دولته ويطلب منهم أن تكون حججهم مبنيّة على أساسٍ علمي.