سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

بشرى علي: “كفى لإبادة النساء” حملة لتوثيق الاغتيالات التي تطال النساء الرياديات

قامشلو/ إيفا إبراهيم –

حملة “لا لاغتيال النساء.. كفى لإبادة النساء” لاقت تجاوباً كبيراً داخل المجتمعات عموماً وبين صفوف النساء خصوصاً، تماماً كحال المتعطش للماء عندما يجد ماءً زلالاً يروي عطشه، هذا ما أكدته الإدارية في رابطة جين النسائية بلبنان بشرى علي.
هذه الحملة العالمية التي انطلقت مؤخراً من قبل 74 منظمة نسائية من مختلف بلدان العالم تلعب دوراً هاماً في توعية النساء وتسليط الضوء على همومهنّ وقضاياهنّ.
ولتسليط الضوء على حملة “لا لاغتيال النساء كفى لإبادة النساء” أجرت صحيفتنا حواراً مع الإدارية في رابطة جين النسائية بلبنان بشرى علي، وجاء على الشكل التالي:
– ما مخطط حملة “كفى لإبادة النساء”؟
لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبعض البلدان الآسيوية بل وحتى العالم أجمع ازدياداً ملحوظاً في ظاهرة اغتيال النساء الناشطات والرياديات والبارزات. فتركيا وأفغانستان وسوريا وتونس وغيرها من البلدان شهدت حالات اغتيالات يندى لها جبين البشرية. بناءً عليه، أطلقت 74 منظمة نسائية من مختلف بلدان العالم حملة عالمية تحت عنوان “لا لاغتيال النساء كفى لإبادة النساء”، في محاولة هامة تهدف إلى لفت الأنظار إلى هذه الظاهرة الخطيرة، وتسعى إلى تسليط الضوء عليها وفضحها ونبش جذورها التاريخية، وتحاول تحليل هذه الظاهرة وتحديد أسبابها، لمعالجتها بطريقة سديدة تأسيساً على تعزيز التحالف النسائي محلياً وإقليمياً وعالمياً.
– ما النتائج التي حققتها حملة كفى لإبادة النساء مُنذ الإعلان عنها؟
مُنذ الإعلان عن هذه الحملة، بدأت العديد من المنظمات والشخصيات النسائية بالتوقيع على العريضة التي أطلقتها المنظمات. والجدير بالذكر أن العديد من المنظمات والشخصيات النسائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً قد وقَّعَت على هذه العريضة، سيما وأن هذه المنطقة تشهد صعوداً في ظاهرة الاغتيالات للنساء الرياديات بنحو بارز. ولعل من أهم الأطراف التي وقَّعَت على هذه العريضة، “مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء من أجل الأمن والسلام” التي تأسست في 12 تشرين الأول لعام 2020، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى استشهاد الأمين العام لحزب سوريا المستقبل الشهيدة “هفرين خلف”، وذلك على يد فصائل أصولية ظلامية تابعة للدولة التركية الفاشية.
إذ تتكون هذه المبادرة من حوالي 50 منظمة وشخصية نسائية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتهتم مثلما يتضح من اسمها، بمناهضة ومكافحة وفضح وتوثيق ظواهر الاحتلال وإبادة النساء وتداعياتها الكارثية على النساء، وما يزال جمع التواقيع مستمر حتى الآن.

– كيف تلعب المنظمات المشاركة في الحملة بدورها؟
تعمل كل منظمة مشاركة في الحملة على توثيق وفضح ظاهرة الاغتيالات ضد النساء، وهناك مساعٍ جادة لتشكيل تحالفات نسائية على الأصعدة الثلاثة المحلية والإقليمية والعالمية بهدف توحيد صفوف النساء وصبّ جهودهنّ ونضالاتهنّ في بوتقة واحدة، إضافة إلى تذليل العقبات التي تعترض طريقهنّ، لا سيما أن القضايا والهموم النسائية مشتركة أكثر مما يتصوره الإنسان. فقضية حرية المرأة هي قضية عالمية بامتياز، ولا يوجد هناك اختلاف سوى في الشكل فقط، بينما الجوهر هو عينه من حيث حدة العنف والقتل والتنكيل والاغتيال والتهجير والتعرض للهجمات المنظمة والإبادة والحروب الجنونية. بالتالي، فإن هكذا حملة، تحثّ على تسريع الخُطا نحو تشكيل مثل هكذا تحالفات لا بد منها ولا غنى عنها في سبيل محاربة الذهنية الذكورية بكل مؤسساتها وأجهزتها وأدواتها السلطوية والحربية.
– هل يوجد إحصائيات حول الانتهاكات التي تحصل بحق المرأة؟
هناك بعض الإحصائيات التي تُجريها مراكز البحوث والدراسات والتوثيق المعنية بذلك، لكن وبطبيعة الحال، فإن الإحصائيات الرسمية المطروحة لا تعكس الحقيقة كاملةً. ذلك أن الكثير من الانتهاكات وحالات العنف والقتل وغيرها من الهجمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجسدية والنفسية والمعنوية التي تتعرض لها النساء، لا يتم توثيقها للأسف الشديد، سواءً بسبب ارتباط الكثير من الجهات المسؤولة عن ذلك بالقوى والسلطات التي تجد في إخفاء مثل هذه الانتهاكات مصلحةً لها، أو بسبب تحفظ الكثير من النساء على ما يتعرضن له بسبب الضغوط الاجتماعية وهيمنة الذهنية الذكورية على المجتمعات، وخاصةً بما يتعلق بجرائم الشرف والعنف الأسري.
بالتالي لا بد من حملات توعية مستدامة لتمكين النساء من البوح بما يتعرضن له من تعنيف وقهر وقمع واستغلال. كما أن هذه الحملات والأنشطة الميدانية تعزز من وحدة النساء داخل المجتمعات. ولا بد أيضاً لمراكز البحوث والدراسات أن تقوم بعملها بعيداً عن كل الحسابات المتعلقة بمصالح السلطات والدول، وأن تعتمد الأخلاقية المهنية أساساً لها في أداء دورها.
– ما مدى تجاوب المجتمع مع هذه الحملة؟
كلما تم تسليط الضوء على مشاكل المرأة، وجدنا تجاوباً كبيراً داخل المجتمعات عموماً وفي صفوف النساء خصوصاً. تماماً كحال المتعطش للماء. إن النساء متعطشات للحرية، لا سيما في ظل الفوضى العمياء والحروب العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تتعرض لها المجتمعات والشعوب ونساء المنطقة مؤخراً، والتي تفوق من حيث خسائرها وأضرارها ما حصدته الحربان العالميتان الأولى والثانية من أرواح وما خلّفتهما وراءهما من أضرار مادية ومعنوية. وهذا ما يؤكد مدى أهمية المسؤولية التاريخية والمصيرية التي تقع على عاتق المنظمات النسائية في هذا الشأن.
– ما رؤيتك حول هذه الحملة؟
هذه الحملة بالتحديد تتميز بأهمية بالغة من حيث فضح وتوثيق ظاهرة الاغتيالات السياسية التي تطال النساء الرياديات، كما إنها ليست بظاهرة جديدة. ففي أغلب عصور المدنية الرأسمالية شهدنا هذه الظاهرة. ففي العصور الوسطى، كلنا قرأ وسمع عن “حرق الساحرات المشعوذات” مثلاً، وهنّ نساء رياديات تمردن على الذهنية الأبوية وعلى مؤسساتها وأفكارها السامّة، فتم حرقهنّ وتشويه سمعتهنّ والإشارة إليهنّ وكأنهنّ ساحرات. فحينها، كان العلم أشبه بالسحر، بينما كان الجهل هو الحالة السائدة التي أرادت القوى السلطوية آنذاك أن تبقى متكرسة بين الشعوب والمجتمعات والنساء، كي تتمكن من تمرير مصالحها وسلطويتها، وكي تعبث بالشعوب كيفما تشاء.
– ما هي كلمتك الأخيرة؟
لم تَعُد الموازين والتوازنات الحالية مثلما كانت عليه سابقاً، كما ازدادت حالات المعرفة والتوعية النساء في عصرنا الحالي كثيراً بعد نضالات مستمرة وغير منقطعة أبداً على مر تاريخ المدنية والحداثة الرأسمالية. وهذا ما يشكل لدينا إرثاً نضالياً عريقاً يكفينا للاعتماد عليه والانطلاق منه لأداء دورنا التاريخي الذي شهدته البشرية في فجر التاريخ، حينما كانت المرأة آلهةً، وحينما كانت المرأة تتميز بسيادة طبيعية استمرت لمئات آلاف السنين، أي لفترة تشكل حوالي 97% من عمر البشرية في العصر الأمومي الطبيعي. بالتالي، وفي حال اتحادنا نحنُ النساء، وتحلّينا بقراءة سليمة لواقعنا وتاريخنا، وصياغتنا لتحليل سليم لقضايانا وهمومنا، بأسبابها وأبعادها وتعقيداتها، فسنتمكن من تجاوز هذه الأزمة، ومن استرداد حرياتنا وحقوقنا المسلوبة، وسنستطيع إعادة المياه إلى مجاريها فيما يتعلق بالمجتمعات بصورة عامة وبقضايا النساء بصورة خاصة، وسنلعب دورنا التاريخي مجدداً في إحلال السلام والأمن والاستقرار والرفاه إلى البشرية.