سوريا وفكي الكماشة

فادي عاكوم-

تتعرض سوريا لعملية إطباق وتطويق بما يشبه فكي الكماشة بدءاً من عفرين وصولاً إلى الحدود مع لبنان، والأمر لا يقتصر على العمليات العسكرية أو الاحتلالات فقط، بل يتعداها إلى عملية تغيير ديموغرافي ممنهجة، ستغير وجه العديد من المناطق السورية بشكل سيكون له عواقب سيئة وخطرة جداً في المستقبل.

فعفرين تعاني من الاحتلال التركي والميليشيات المرتزقة المتعاونة معه، أهلها يهجرون إلى خارجها، بالإضافة إلى توطين مئات العائلات في المنطقة مع نشر اللغة التركية على نطاق واسع، حتى يخيل لزائر المنطقة بأنه في إحدى المناطق الحدودية التركية وليس في سوريا.

وعند الحدود اللبنانية في منطقة القلمون وجوارها تقوم الميليشيات الموالية لإيران بعملية مشابهة، فأهالي هذه المناطق تم استبدالهم أيضاً، بالإضافة إلى عملية جرف للمناطق الزراعية وإقامة إنشاءات صناعية وسكنية وتوطين مئات العائلات السورية واللبنانية والعراقية، مما غير وجه المنطقة بشكل تام وكامل.

فبكل تأكيد الأمر ليس مصادفة خصوصاً وأن السكوت التام للحكومة السورية على هذه العمليات هو سيد الموقف، فلو سلمنا جدلاً أن هذه الحكومة سكتت عن الأعمال الجارية على الحدود اللبنانية باعتبار أن من يقوم به هو حليف لها، فلماذا الصمت عن الأعمال التركية، ويبدو أن الهدف هو تأمين أمن سوريا للمرحلة المقبلة وذلك من خلال إقامة هذه الأحزمة الأمنية.

فتركيا تتلاقى بمصالحها مع الحكومة السورية من ناحية التواجد داخل منطقة عفرين ومحيطها وستحاول دون أدنى شك في المستقبل القريب التوسع عند الأطراف، وذلك لحماية حدودها كما تدعي من الكرد التي تعتبرهم أعداء لها مهما كانت انتماءاتهم السياسية أو الحزبية ومن أي جنس أو عمر كانوا، وبالتالي فإن الحكومة السورية راضية هي الأخرى حتى لا تكون المنطقة التي يديرها مجلس سوريا الديمقراطية واسعة وممتدة من الشمال إلى الشرق، بل مجزأة بهذا الشكل، أي أن هذا التواجد التركي يضعف موقف المجلس بأي مفاوضات مقبلة مما ينبئ أيضاً بنوايا خفية لإعادة السيطرة الكاملة على مناطق المجلس، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه وفقدان المكاسب الكثيرة التي تم تحقيقها خلال فترة ما بعد داعش من قبل الإدارة الذاتية للمنطقة.

وليس من قبيل المصادفة أيضاً أن تركيا وإيران ترتبطان بتحالف قوي مبني على قواعد المصالح المشتركة بينهما، فما تعجز عنه تركيا تقوم به إيران والعكس للوصول إلى الهدف المرجو وهو السيطرة على ما يمكن السيطرة عليه في أقل وقت، في ظل سير الأمور نحو الحلحلة في سوريا قريباً، لتبدأ بعدها مرحلة اقتسام الغنائم والكعكة التي يريد الجميع الحصول على أكبر قدر منها.

وفي ظل الأوضاع الحالية والتشابكات السياسية إقليمياً ودولياً، فإن عملية ردع هذا المخطط قد تبدو صعبة جداً لكنها ليست مستحيلة، ويتبقى للإدارة الذاتية وبالإضافة إلى الحق المشروع بالمقاومة لتحرير كل شبر من الأراضي السورية تم احتلاله من أي طرف كان، اللعب على الأوتار السياسية مع اللاعبين الكبار كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا لإحداث الاختراق السياسي المعقول لتعديل الواقع الحالي ولجم النوايا المبيتة، قبل فوات الأوان ويصبح الأمر أمراً واقعاً من غير الممكن تغييره.