لو لم يفعلها صلاح الدين..

 فادي عاكوم-

سؤال يتبادر لذهن الكثيرين خلال هذه الفترة، ماذا لو لم يفعلها القائد الكبير صلاح الدين الأيوبي ولم يحرر القدس في تلك الفترة الزمنية الهامة التي حددت مستقبل المنطقة، ماذا لو لم يحرر البطل الكردي صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس، التي تعتبر مدينة مقدسة للمسيحيين واليهود والمسلمين في نفس الوقت؟

لا شك بأن البطل صلاح الدين الأيوبي غير تاريخ المنطقة، وأعماله تطلبت عشرات وربما مئات السنوات لتعديلها وتغييرها، فهو قام بما قام به من خلال الرسالة الإسلامية، وما توارد عنه وعن تصرفاته خلال فترة الفتوحات يرقى ليكون قائداً أممياً لمنطقة الشرق الأوسط وليس فقط قائداً عسكرياً فذاً تفوق على أمثاله في ذلك الزمان حنكة وحكمة.

مع الإشارة إلى أن الأيوبي لم يستغل خبراته العسكرية وولاء آلاف المقاتلين الأقوياء من القومية الكردية لمصالحه الشخصية أو القومية، بل تصرف لصالح مصالح شعوب المنطقة خارج حدود الأوطان القومية أو الدينية، ولولا أنه قاتل تحت لواء الدين الإسلامي ربما كان بإمكاننا القول أنه طبق المرحلة الأولية من الأفكار الأوجلانية حول التعايش بين أبناء القوميات في منطقة الشرق الأوسط وإنشاء المجتمع الديمقراطي، الذي يجمع أبناء مختلف القوميات والأديان والطوائف، حيث طبق الأيوبي هذه الأفكار في مناطق سيطرته، وما توفر من معلومات من مدينة القدس بأن الجميع كان متساوياً دون أي استثناءات، وذابت القوميات والأديان في المجتمع رغم الحروب المتواصلة التي تعرضوا لها.

ويسجل لصلاح الدين الأيوبي أيضاً بأنه لم يفكر أو حتى لم يقترب من التفكير من إنشاء دولة قومية كردية رغم قدرته على تنفيذ الأمر بكل سهولة خلال تلك الفترة، وهذا الأمر حرم الكرد من دولة كانت ستستمر بوجودها إلى الآن فيما لو أصبحت دولة.

وبالتالي فإن الأيوبي ربما كان صاحب رؤية مستقبلية واضحة خاصة أنه وعوضاً عن تأسيس دولة قومية كردية قدم شخصيات كردية آنذاك من تجار وعلماء وقادة عسكريين ورجال دين في جميع دول المنطقة بشكل لافت قدموا لشعوبها الكثير من المعارف وساهموا في تقدمها، ولعبوا أدواراً هامة في تاريخ تلك الدول، وكان لهم البصمة الواضحة في شتى أنواع الحياة، لكنهم ذابوا في هذه الدول تماماً ولم يقوموا بأي خطوات لاستغلال هذا الانتشار الكبير الذي ربما كان الأيوبي فعله عن قصد وخطط له لمراحل تاريخية قادمة، وربما يعود الذوبان في المجتمعات المختلفة لمسألة عدم تبعية الكرد لدولتهم الخاصة بل يتكيفون تاريخياً في الدول التي يعيشون بها.

فالقائد صلاح الدين الأيوبي لم يكن بالرجل العادي أو شخصاً عابراً في تاريخ المنطقة، بل كان صاحب رؤية آنية ومستقبلية في الوقت نفسه، وكان يمتاز برؤى ثاقبة وسليمة، لكن للأسف أحفاده الكرد لم يستطيعوا الاستفادة من الإرث الذي تركه، وكذلك باقي أبناء القوميات والأديان لم يتعظوا من حكمة إدارته لمملكة القدس آنذاك في اعتماد مبدأ المساواة، وربما ما يجري من صراع قومي- ديني في فلسطين الآن خير دليل على ذلك.