الاغتيال… وسيلة الجبناء لإسكات صوت الحق

إعداد/ دجوار أحمد آغا-

عندما لا تستطيع القوى الرجعية التي تدير الحكم أن تسيطر على عقل مفكر أو مناضل ثوري من خلال رشوته أو شرائه بالامتيازات والمناصب, تعمل على إسكات صوته المنادي بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية كنهج وفكر, حينها يعمل كاتم الصوت, ليس مهماً إن كان في الليل تحت جنح الظلام أو في وضح النهار، وهو ما جرى مع المفكر والفيلسوف والمناضل اللبناني الكبير حسن حمدان (مهدي عامل).

“لستَ مهزوماً ما دمت تقاوم”

حسن عبد الله حمدان.. لن يعرفه الكثيرون, ولكن “مهدي عامل” سيهتف باسمه مئات الآلاف والملايين من اللبنانيين والثورين في العالم أجمع.

مهدي عامل هو ابن النبطية في جنوب لبنان, درس في مدرسة المقاصد اللبنانية ومن ثم نال شهادة الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون الفرنسية, عمل مدرساً للفلسفة في قسنطينة بالجزائر وتفرغ فيما بعد أستاذاً للمادة في الجامعة اللبنانية. التحق بصفوف الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960 وانتخب سنة 1987 عضواً في اللجنة المركزية للحزب.

تعتبر فترة (1968-1976) التي درس فيها بجامعة صيدا من الفترات الهامة في حياة حسن حمدان، حيث بدأ فيها ممارسة مشروعه الفكري والكتابة باللغة العربية، في وطنه، لدراسة واقعه الاجتماعي دراسة علمية وتمييز كونية قوانين الماركسية فيه، لتبدأ، بحسب حسن حمدان، “صيرورة الفكر العربي فكرًا علميًا” مبتعدًا عن القولبة وتكرار المقولات الجاهزة.

أهم إصداراته ونتاجاته

– أصدر مهدي عامل عام 1972 كتابه الأول “مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني” وقسّمه إلى قسمين: القسم الأول “في التناقض” والقسم الثاني “في نمط الإنتاج الكولونيالي” الذي صدر عام 1976. وتكمن أهمية هذا الكتاب في أن مهدي بحث فيه في مجال جديد في الفكر الماركسي، أما الجزء الثالث من الكتاب كان بعنوان “في تمرحل التاريخ”.

– في عام 1973، صدر كتابه “أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية”، وفيه انتقد أعمال الندوة الفكرية التي عقدت في الكويت تحت عنوان أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي.

– بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في عام 1975، صدر كتابه “النظرية في الممارسة السياسية عام 1979، بحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان”. يتحدث الكتاب عن عملية الربط التي قام بها مهدي عامل، بين النظرية والممارسة السياسية، والتي مارسها في نضاله اليومي وكشف في الوقت نفسه القانون الذي يحكم الأحداث ويولدها.

– في عام 1986 صدر كتابه “في الدولة الطائفية” الذي حلل فيه طبيعة النظام السياسي – الطائفي القائم في لبنان، بهدف كشف الصراع الطبقي الذي تحجبه الأيديولوجية الطائفية بمظهر طائفي، لتؤيد الانتماء للطائفة لا للوطن، لتأييد النظام السياسي – الطائفي وإعادة إنتاجه.

الاغتيال الموجع لمفكر كبير في وسط الشارع

التاريخ، يوم الثامن عشر من أيار 1987, المكان، أحد شوارع بيروت، عاصمة الثقافة العربية ولؤلؤة الشرق الأوسط, الحدث، اغتيال المناضل والمفكر اليساري والفيلسوف مهدي عامل في وضح النهار عن عمر يناهز الواحد والخمسين عاماً.

لم يقتصر نضال مهدي عامل على الكتابة، بل مارس ما يقوله بشكل عملي من خلال تنقله بين القرى والمدن، محاضرًا ومناقشًا وشارحًا للناس، وبلغة واضحة وبسيطة، قضايا متعددة، مثل مسألة الوطنية وحركة التحرر. السبب الرئيسي وراء اغتيال حسن حمدان كانت أفكاره ورؤيته للواقع السياسي والثوري في لبنان، ومن أهم ما قاله حول ضرورة أن تكون الطبقة العاملة في موقع القيادة في حركة التحرر الوطني:

“.. القيادة إذن, في الحركة الوطنية هي للتحالف نفسه الذي تتكون منه هذه الحركة, والذي تحتل فيه الطبقة العاملة موقعاً عليه أن يكون الموقع الرئيسي لا بفعل قرار أو استناداً إلى حق شرعي, بل بالممارسة الثورية”.

“.. إن حركة التحرر الوطني هي حركة تغير ثوري للمجتمع على طريق الاشتراكية, مهمتها التاريخية هي قيادة النضال لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية في التحرر الوطني والاجتماعي”.

مهدي عامل الثائر والمفكر

الحقيقة هي أن مهدي عامل يمتلك صفات جاذبة للقراءة على الرغم من لغته الجديدة ذات التراكيب الصعبة، وقد حظي بانتباه شريحة واسعة من الشباب اليساري الذي كان يتلمّس طريقه الفكري بين ضباب الثقافة، بحثاً عن ثقافة عربية قادرة على ترجمة الفكر الاشتراكي القادم من ثقافات أخرى، إلى نكهة ونموذج يحاكي الواقع العربي والشرق أوسطي.

الفترة التي ناضل فيها مهدي عامل كان الحزب الشيوعي اللبناني قد بدأ أولى انشقاقاته، ولم يكن يسمح أو يعطي المجال لأعضائه ومنتسبيه للقراءة الحرة دون رقابة وتدخل في الاختيارات، بل كان يكتفي بسبب الخوف من تسرّب أي فكرة يمكن أن تتسبب في ظهور أفكار ورؤية مناهضة للتوجه الإصلاحي الذي كان الحزب يسير عليه, فقد اكتفى ببضعة مراجع لينينية حصرية مثل “ما العمل” و”الدولة والثورة” تُحفظ غيباً أو تلخّص في وظائف مدرسية، وتقدّم دونما أية شروحات أو تقييمات أو نقد. ولم تتضمن السياسات التثقيفية قراءة الروايات والقصص العالمية فيما عدا الإشارة والإشادة دوماً بضرورة قراءة رواية الأم لمكسيم غوركي، وكيف سقينا الفولاذ  لنيكولاي أوستروفسكي، أي الأدب السوفيتي حصراً.

ربما يستطيع المرء أن يقول أحياناً إنه لم يكن بوسع الفكر أن يسبق الزمن، أو أن يبني على التكهنات, غير أنه يمكننا القول في الوقت نفسه بأن معظم الشبان والشابات المنتسبين إلى التوجه اليساري، كانوا يعيشون مرحلة انفصام فكري وسياسي بعيد عن الواقع المعاش، ضائعين بين التزامهم بالتوجهات السياسية لأحزابهم، وبين شعورهم العميق بالعجز عن فهم أو تدارك تلك السياسات التي تتناقض مع الحس والضمير الإنساني الذي كان يعاني من القمع والاضطهاد وانتهاك الحريات.

وقد أثبت الزمن صحة تقييمات وتحليلات اليسار الذي كان يوصف بالمغامر آنذاك لأنه يرفض التحالف مع تلك الأنظمة.

سيبقى حسن حمدان منارة للفكر الثوري والتحول الديمقراطي في العالم العربي ولشعوب الشرق الأوسط أيضاً. ولا بد لليل أن ينجلي كما قال أبو القاسم الشابي.