إعداد/ مريم الخوري-
مجازر كبرى ارتكبها جمال باشا السفاح وأنصاره ومرتزقته في سوريا، كان أبرزها وأشهرها مجزرة أيار عندما أعدم خيرة شباب سوريا في دمشق وبيروت ظناً منه أنه سيحكم سوريا إلى الأبد، فكان إعدام أولئك الأبطال شرارة ثورة اندلعت في بلاد العرب كلها، كادت أن تلغي وجود الأتراك من على وجه الأرض تماماً، فسقطت الأستانة وأزمير بيد أوروبا وسقطت حامياتهم وقلاعهم في الشام كلها.. وزال حكم الظلم والطغيان وأشرقت الشمس من جديد ليتحقق قول الشاعر:
ندِمَ البغاةُ وَلاتَ حينَ مَنْدَمٍ .. والبَغْيُ مرتعُ مُبْتَغِيْهِ وَخِيْمُ
فإذا كان العدل أساس الملك فإن الظلم يدمر البلدان ويهد عروش الطغيان، وإن صفحات التاريخ ملآنة بشواهد لا يحصيها العدُّ، وإن في ذلك لَعِبرة، ولكن عين الظُلَّام تأبى أن ترى الحق فيتساقطون واحداً تلو الآخر في شرور أعمالهم..
وقف عمر حمد عند حبل المشنقة وهو يقول: لا العُرْبُ أهلي ولا سوريةُ داري .. إنْ لم تهبُّوا لأخْذِ الحقِّ والثارِ
فهبت سوريا كلها نجدةً لصوت الحق ونصرةً للمظلوم، فبزغ فجر الحرية في سماء الشام من جديد بعد عهد الظُّلْمِ والظَّلَامِ..
لقد غاب عن بال جمال السفاح أن الشام كانت على مر الدهر والزمان مقبرة الغزاة وقلعة عتيقة من قلاع التاريخ، وحصناً منيعاً من حصون المجد التليد، فأعاد أهلها إليها مجدها ونفضوا عن أرضهم وجبلهم الأشم غبار الطغيان والعسف.. وصار جمال إلى مجاهل التاريخ يُسبُّ ويُلعن أينما ذُكرَ، وكذلك يدور التاريخ دورته ويزول الظلم دوماً ولو طال، وتبقى الشام مطهرة عن دنس البغاة ورجسهم..
وها نحن اليوم وبعد قرن من الزمان وأكثر لكأني أسمع صدى صوت عبد الغني العريسي يطبق الآفاق ليتردد في الآذان قائلاً: “بلِّغوا جمال باشا أنَّ الملتقى قريبٌ، وأنَّ أبناء الرجال الذين يُقْتَلُونَ اليوم سَيَقْطعونَ بسيوفهم أعناق أبنائه، وإن الدول لا تُبْنَى على غيرِ الجَماجمِ، وإنَّ جماجِمَنَا ستكونُ أساساً لاستقلالِ بلادِنَا”.
وقد دخلتِ الشامُ إبّان حكم جمال في مجاعة لم تعرف لها مثيلاً فأكل الناسُ أوراقَ الشجر والقططَ والكلابَ ومات الناسُ جوعاً وقهراً.. وأُخِذَ أبناؤهم إلى حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل كحروب البلقان وجناق قلعة وحرب الترعة ضد الجيش الإنكليزي المحتل لمصر. بين الجوع والقهر والفقدان والموت عاش أبناء سوريا حقبة جمال فضاقوا به ذرعاً فنهض خيارهم ليقارع المحتل لأرضهم بالفكر واللسان والبيان وأخبروه بضرورة التغيير عاجلاً فإن الأرض تغلي ببراكينَ قد تنفجر بأي لحظة، فأبى السفاح إلا أن يقابل أبناء البلد الوطنيين بالإجرام والقتل والاعتقال والخطف بحجج واهية كاذبة خادعة، فزج بخيرة مثقفي الوطن وأعيانه في السجون وعلق مشانقهم في بيروت ودمشق إمعاناً منه في الإجرام ليرهب الشعب ويقمع الثورة في مهدها، إلا أن النتائج كانت عكس ما أراد فدالت دولته وزال حكمه.