سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

بلاد آبوم

رستم عبدو-

شهدت أراضي الجزيرة السورية قيام العديد من المدن والممالك مع بداية العصر الحجري الحديث (Neolithic)، حيث استطاعت البعض من تلك الحضارات القديمة فرض نفسها خلال فترات تاريخية معينة كأحد الأطراف الأساسية على الساحتين المحلية والإقليمية.
نذكر من تلك المدن والممالك، بلاد آبوم وعاصمتها مدينة شخنا/ شبت إنليل (تل ليلان) الواقعة على نهر الجراح، جنوب شرقي مدينة قامشلو بنحو 30 كم.
ورد اسم آبوم كمدينة وبلادMat Apim  في العديد من المصادر التاريخية القديمة، كالوثائق الآشورية العائدة لفترتها الأولى، والمكتشفة في كانيش (كول تبه/ قيصري في الأناضول) وأيضاً الوثائق الكتابية المكتشفة في مدينة ماري (تل الحرير بالقرب من دير الزور) العائدة لبدايات الألف الثاني قبل الميلاد بالإضافة للعديد من الوثائق الكتابية المكتشفة في موقع تل ليلان الأثري والعائدة لنفس الفترة تقريباً.
حيث أن “بلاد آبوم” وتعني بلاد القصب، كانت خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد عبارة عن مملكة، وكانت تشمل معظم المناطق الشرقية من حوض الخابور العلوي، وكان لها حدود إدارية مع الممالك التالية: أزوخينوم (وادي سفان حتى طور عابدين) وإلُخت (شرق طور عابدين) وكاخات (تل بري) ولزبات (موقع في وادي رميلة) وشورنات (موقع في وادي رميلة) وأماز (وادي الرد)، بمعنى أن الإطار الجغرافي لهذه المملكة كانت محصورة بين وادي جغجغ غرباً ووادي رميلة شرقاً، وبين سفوح طور عابدين الجنوبية شمالاً ووادي الرد جنوباً.
برزت مملكة آبوم خلال الربع الأول من الألف الثاني قبل الميلاد على الصعيدين السياسي والعسكري، كما تميزت كذلك على الصعيد الديني، حيث كان لهذه المملكة ربة رئيسية تسمى “بيليت آبوم” أي سيدة آبوم والذي يعتقد أن معبدها الذي لم يكتشف بعد موجود في تل ليلان، حيث كانت تقيم فيه الاحتفالات والمناسبات الدينية.
تعايش في هذه المملكة الخوريون والأموريون بسلام جنباً إلى جنب وساهما معاً في ازدهارها على الرغم من اختلاف أصولهم الدينية والعرقية.
أكدت الكثير من المصادر التاريخية الحديثة بالوجود الأصيل للخوريين في منطقة الخابور، على الأقل منذ النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، وأشارت تلك المصادر إلى أن انتشاراً كثيفاً للقبائل الأمورية في تلك المنطقة أيضاً بدأ مع مطلع الألف الثاني قبل الميلاد.
حيث أنه من المعروف أن الموطن الأصلي للخوريين كان على جانبي المجرى العلوي لنهر دجلة وروافده الشرقية وتحديداً في المناطق المحيطة ببحيرة وان، وأنهم انتشروا في المناطق السهلية الشمالية من سوريا والعراق خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وتمكنوا في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد من تأسيس مملكة خوري – ميتاني التي امتدت من جبال زاغروس شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً، وكان مركزها مناطق مثلث الخابور، في حين أن الموطن الأصلي للأموريين كانت مناطق شبه الجزيرة العربية وذلك قبل قدومهم لمناطق وادي الفرات الأوسط، أواخر الألف الثالث قبل الميلاد كثاني الهجرات السامية إلى المنطقة بعد الهجرة الأكادية.