أردوغان وحقوق الإنسان

 فادي عاكوم (كاتب وصحفي لبناني)–

انطلاقاً من مبدأ اكذب اكذب حتى تصدق الكذبة، أتت الردود التركية على التقارير المتتالية التي تناولت ملف حقوق الإنسان في تركيا، والردود لم تأتِ فقط بالكذب، بل أيضاً بفتح ملفات لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالوضع التركي.

فقد انتقدت الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأميركية وبعض المنظمات العالمية الأوضاع السيئة لحقوق الإنسان في تركيا، بسبب خنق الحريات والاعتقالات التعسفية والسجن لمعتقلي الرأي الذين باتوا يشكلون نسبة الغالبية في السجون التركية، وحسب الردود التركية؛ فإن كل هذه التقارير مشبوهة ومفبركة، وكأن أردوغان يتعرض لحملة كونية لعرقلة مسيرته التطويرية والإصلاحية المزعومة.

ففي تركيا يلاحَق السياسيون، ونواب البرلمان، والمسؤولون الحكوميون، وضباط الجيش والشرطة، والمدنيون، وطلاب الجامعات والمدارس، وأعضاء المنظمات السياسية المرخصة، وذلك لأتفه الأسباب، حتى لو كانت التهمة مجرد انتقاد صغير جداً لأي سياسة من سياسات أردوغان سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو تتعلق بالشأن الخارجي.

واللافت بأن الرد التركي على تقرير وزارة الخارجية الأميركية تضمن، بل ركز على عدم تطرق التقرير للوضع في سوريا، وحسب وصف وزعم التقرير؛ فإن ما تقوم به أحزاب كردية من تجاوزات ضد السوريين والسعي إلى الانفصال، وهو أمر مضحك بالمفهوم السياسي، فالتقرير تناول الأوضاع في تركيا وليس في سوريا فكيف يتم التطرق إلى منطقة سورية في تقرير تركي؟ إلا إن كانت تركيا تعتبر الأراضي التي احتلتها في الشمال السوري منطقة تركية وتقع ضمن الحدود التركية.

وغاب عن الخارجية التركية أنه لو تطرق التقرير للوضع في الشمال السوري، لكان حمل هجوماً إضافياً على سياسات أردوغان، بسبب التعديات التي تقوم بها الجماعات المرتزقة المسيرة من قبل المخابرات التركية وبشكل يومي ممنهج، خاصة في عفرين وعين عيسى والمناطق المحيطة بها، والتي ترقى بغالبها إلى جرائم حرب، إذ تتضمن القتل بدوافع عرقية، وتهجير وعملية تغيير ديموغرافي، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية والتعديات اليومية على المدنيين حتى الموجودين في مناطق بعيدة نسبياً عن خطوط النار، وجميع ما سبق يعتبر مخالفات جسيمة للقوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان.

واللافت أنه رغم توالي التقارير المهاجمة لسياسات أردوغان، إلا أنه ولغاية الآن لا يوجد خطوات رادعة بالمعنى الصحيح، كون الأمر مرتبط بتشابكات سياسية وحسابات استراتيجية، لذا ومع عدم إمكانية فرض عقوبات أو تصعيد الأمور لا يتبقى إلا توظيف هذه التقارير لتأكيد الانتهاكات الجسيمة في تركيا وخارجها، مع نشر هذه التقارير على أوسع نطاق مقرونة بأدلة حسية على الجرائم مع شهادات حية، ويوجد مخزون كبير لهذه الأدلة يتم استثماره على نطاق ضيق بعض الشيء في الوقت الحالي، لكن مع الانتشار الواسع للناشطين السياسيين حول العالم بالإمكان شن حملة قوية ممنهجة منظمة لفضح الجرائم الأردوغانية وكل من يشاركه هذه الجرائم من سوريين متعاونين معه. هذا بالإضافة إلى فتح ملف الإرهاب في سوريا وكيف دعمه أردوغان وسهل انتشاره، وهو أمر أدى إلى مقتل آلاف السوريين وخلق حالة شاذة لا يدفع السوريين ثمنها فقط بل العالم أجمع.