إدلب… أيقونة الشمال السوري

إعداد/ عبد الرحمن محمد –

إدلب الخضراء؛ حمامة الشمال وأيقونة البلاد، شقيقة حلب الصغرى، وخليلة اللاذقية، لرائحة الزيتون فيها عطر آخر، وللتاريخ فيها قصص وحكايات تعجز عنها كتب وروايات.

تقع إدلب إلى الجنوب الغربي من مدينة حلب وتبعد عنها 60 كم وعن اللاذقية 132 كم وعن دمشق 330 كم وعن حمص 168 كم وعن حماة 105 كم؛ ترتفع بمعدل 440 متراً عن سطح البحر، وتشتهر كأغلب مدن سوريا بكثرة المواقع الأثرية التاريخية وأبرزها تل مرديخ وإيبلا، وكذلك بالتنوع الثقافي إذ تضم العرب والكرد والسريان والدروز وغيرهم.

التسمية والتاريخ

تعددت الآراء حول تسمية إدلب ومن أرجحها أنَّ اسم إدلب اسم مركب وهو من قسمين: “أدد” وهو الآلهة المعروفة لدى الآراميين، و”لب” وتعني القلب أو المركز، وتعني بمجملها “مركز أو لب أدد”، ويعتقد بأنَّ هذا المركز كان في المكان الذي يقع فيه الجامع العمري، الذي كان قبل ذلك ديراً ومن قبل ذلك معبداً وثنياً.

الرأي الآخر يقول: إنَّ الاسم جاء نتيجة تحريف لاسم دير سرياني عرف بـ “دير دلبين” الذي كانت “زانيب دولوم” أخت الملك “كيش” ملك إيبلا راهبته، وتحولت المنطقة المحيطة إلى تجمُّع سكاني أصبح قرية فحياص عرف بـ”الصليبة” وما زال يعرف بهذا الاسم.

وهناك آراء أخرى تعيد التسمية في مجملها إلى الآرامية ويبقى فيها لفظ أو كلمة “لب= القلب” وأحيانا قيل: إنَّها مشتقة من كلمة “إدلبو” أي مكان بيع وجمع وتخزين المحاصيل الزراعية.

اندثرت إدلب الكبرى التي كانت في الشمال منذ مطلع القرن السابع عشر، بعد أنْ كانت إدلب تضم قسمين رئيسين شمالي و جنوبي في العهد الإسلامي كما ذكر الزبيدي في كتابه (تاج العروس).

ازدهرت إدلب في عهد الصدر الأعظم محمد باشا الكوبرلي (1583-1661)، فجعل مواردها وقفاً على الحرمين الشريفين وأعفاها من الرسوم والضرائب وأقام فيها مبانيَ ما تزال قائمة إلى اليوم، ونظَّم مدينة إدلب وفق مخطط عمراني اختاره بنفسه فبنى فيها الخانات كخان الشحاذين وخان الرز ونظَّم أسواقا خاصة بالحِرف، وجعل فيها شوارع عريضة ومنتظمة.

 سميت إدلب كقضاء عثماني عام1812م وتوسعت كثيراً من حيث العمران والأسواق الشعبية وتعليم القرآن، وكانت من المدن الثائرة على الفرنسيين وكانت ثورة ابراهيم هنانو التي حدت فرنسا لقصفها قصفاً عنيفا بالمدفعية عام 1920م، بينما سميت كمحافظة إبان زيارة جمال عبد الناصر اليها عام 1958م وكانت من أوائل المدن السورية التي عرفت وزرعت القطن.

الاقتصاد والنشاط السكاني

يعد مناخ إدلب مناخاً جافاً نوعاً ما و الهطولات المطرية تصل في معدلاتها إلى ما يقارب 500 مم، وهي نسبة هطول كافية لزراعة الحبوب. وللارتفاع النسبي عن سطح البحر وتشتهر بزراعة الزيتون، وتشتهر بصناعة الزيوت والصابون والأعلاف والصناعات الغذائية والأحذية، كما تزرع التين والعنب والقمح والشعير والقطن والبقوليات بأنواعها والتوابل، وتضمُّ المدينة أسواقاً هامة وتنتشر فيها العشرات من معامل الأغدية وصيانة السيارات ومعامل الرخام ولوازم البناء.

السياحة والآثار في إدلب

ونظراً للمواقع الأثرية الكثيرة التي تربو على 800 موقعٍ مُوثَّق ومعروف كموقع اثري، والاكتشافات المذهلة التي تمَّت في تلك المواقع أنشئ متحف إدلب في عام 1987م ويقع في المدخل الشرقي لمدينة “إدلب”، ويضم الآلاف من اللقى الأثرية والتحف الثمينة التي عثر عليها من خلال التنقيبات الأثرية التي أجرتها البعثات العربية والأجنبية في أرجاء المحافظة.

ويحتوي على أهم الآثار وحصاد بعثات التنقيب العاملة في المحافظة في مواقع إيبلا وداحس وتل الكرخ وتل مسطومة وتل آفس ومدافن سراقب، كما ويحتوي على جناح للتقاليد الشعبية وقسم خاص للفخاريات الخاصة بالمكتبة الملكية في إيبلا، منسقة ومبوّبة ومحفوظة بشكل علمي دقيق.

تزخر إدلب بعشراتٍ من المواقع والمعالم الأثرية التاريخية العائدة إلى حقب من الحضارات المتعاقبة، منذ الألف الخامس قبل الميلاد، ابتداءً من تل عين الكرخ ومروراً بمملكة إيبلا والحقب الحثية – آرامية – آشورية – يونانية – رومانية – بيزنطية – حتي العصور الإسلامية المختلفة، ويتجلَّى ذلك في أوابدها التاريخية الهامة المنتشرة في المحافظة، يحيط بمدينة إدلب عددٌ كبير من المناطق الأثرية كـالبارا ورويحة وقلب لوزة وقصر البنات وغيرها، والسباطات والحمامات العامة المشهورة.