أنقرة تستثمر في الخلاف الروسي الأوكراني… فكيف يبدو الحال في سوريا؟

إعداد/ صلاح إيبو-

 يشهد الريف الإدلبي تصعيداً عسكرياً بين القوات الحكومية المدعومة روسياً والفصائل المرتزقة لتركيا، منذ أسابيع، وجاء التصعيد الأخير المتمثل بالقصف والتسلل في مناطق مختلفة من إدلب، بعد توتر الأوضاع السياسية بين تركيا ورسيا فيما يخص الأزمة الأوكرانية، فكيف ذلك؟

تعتبر تركيا اليوم أكثر شركاء أوكرانيا الاقتصاديين بعد إغلاق حدود وأسواق روسيا أمام منتجات الأخيرة، إذ بلغ حجم التجارة نحو 4.8 مليارات دولار عام 2019، وتوطدت العلاقات الأوكرانية التركية وبلغت مستويات متقدمة في مجالات شتى خلال السنوات الست الماضية.

هذه العلاقة المتميزة جاءت نتيجة الخلاف الروسي الأوكراني على شبه جزيرة القرم والدعم الغربي الأمريكي لأوكرانيا ضد روسيا، وهنا استغلت تركيا مشكلة “القرم” التي تعتبرها جزءاً من إرثها التاريخي، وتتار القرم جزءاً من مكونها القومي بحكم العرق واللغة، فسارعت أنقرة إلى رفض ضم القرم من قبل روسيا في 2014، وأكدت ذلك مراراً وفي كل مناسبة، كان آخرها زيارة أردوغان إلى كييف في الثالث من شباط الماضي، والتي ستنعكس على العلاقة الروسية التركية المتشابكة في سوريا وليبيا بكل تأكيد.

أصبحت تركيا بعد عام 2014 من أبرز الدول استثماراً في أوكرانيا، كما وقفت تركيا في مقدمة الدول المؤيدة لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وأعادت التأكيد على ذلك خلال استقبال أنقرة لرئيس وزراء أوكرانيا قبل أيام.

تعاون عسكري

وحسب خبراء، فإن القواسم المشتركة بين البلدين تعدت حدود السياسة والاقتصاد والمجتمع معاً، مع تنامي حجم التعاون العسكري بين كييف وأنقرة، الذي يشكل سبباً آخر لتواصل التوتر بين الأخيرة وموسكو.

زيارة أردوغان الشهر الماضي كانت مؤشراً واضحاً على ذلك، أعلنت تركيا صراحة منح أوكرانيا خمسين مليون دولار “كمساعدات عسكرية”، وأعلنت قبل ذلك شركة “أسيلسان” للصناعات الدفاعية التركية عزمها فتح مكتب لها في أوكرانيا وباكستان.

وخلال الزيارة، وقع وزير الدفاع الأوكراني مع وزير الخزانة والمالية التركي اتفاقاً حكومياً مشتركاً حول “التعاون العسكري المالي” بين البلدين، ودار حديث واسع ومعمق حول التعاون في مجال صناعة واستيراد طائرات “أنتونوف 178″ العسكرية، و”تحقيق الأمن في منطقة البحر الأسود” التي تنامى فيها نفوذ روسيا بعد ضم القرم. هذا، إضافة إلى اقتراح تركي بتزويد أوكرانيا بغاز بحر قزوين عبر تركيا وبلغاريا، بما يعزز استقلال سوق الطاقة الأوكرانية، الذي كان ولا يزال أبرز أوراق الضغط الروسي على كييف.

مراوغة سياسية

وربط الكاتب الروسي فلاديسلاف هيرمان خلال مقال له بين زيارة أردوغان الأخيرة لأوكرانيا والتوترات مع روسيا في سوريا وليبيا معاً، معتبراً أن أردوغان سعى في أوكرانيا إلى خلق توازنات تعزز موقفه في مواجهة روسيا.

ويرى الباحث السياسي الأوكراني ميخائيل بوغريبنسكي أن تصرفات أردوغان تمثل سياسة شرقية كلاسيكية، في إشارة إلى مراوغة أردوغان السياسية، ويتابع “لا تناقض في تصريحاته، لأنه يحاول المناورة بين لاعبين خارجيين كبار. على سبيل المثال، إذا كان من مصلحة أردوغان الحفاظ على علاقة مقبولة مع بوتين، فإنه يتحدث عن دعم اتفاقيات مينسك؛ وإذا كان مهتماً بالحفاظ على تصدير الطائرات المسيرة، فيمكن أن يقول شيئاً ما مستحباً لأوكرانيا”.

في المقابل، يعتبر الخبير الأوكراني، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في كييف، أوليكساندر بوهومولوف أن “التوجه التركي أكثر اندفاعاً وجرأة، لأنه ربما يبلغ حد تشكيل حلف عسكري بحري، يجاري الهيمنة الروسية على منطقة شمال البحر الأسود بعد ضم القرم، ويضمن حرية وأمن مصالح البلدين في المياه الإقليمية، وفي هذا رسالة إلى روسيا أيضاً”.

وفيما يتعلق بالحرب في إدلب، يرى بوهومولوف أن أوكرانيا لم تعد في معزل عنها، وإن أرادت ذلك، وتعاونها مع تركيا لا يفسر إلا في هذا الإطار.

ويستشهد الخبير على هذا بالتصعيد الأخير في شرق أوكرانيا، مشيراً إلى أنه جاء دون مبررات، ولكن بالتزامن مع التصعيد في إدلب، مضيفاً “الآن اتفق بوتين وأردوغان مجدداً حول إدلب، وستتراجع حدة التوتر في أوكرانيا”.