سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عدوانٌ شرعيته التناقضات!!

تقرير / رامان آزاد

شرقُ الفرات جغرافيا التنافسِ الدوليّ والإقليميّ الساخنة، التي تشهد اليومَ تحولاتٍ ومتغيراتٍ متسارعةً، ممثلةً بقوىً إقليميّةٍ ودوليّةٍ تسعى لكسب الجولة الأخيرة من النزال في الحلبةِ السوريّة، والتي يمكن توصيفها بأنّها باتت تركيّة صرفة، بعدما تمكنّت من تطويع كلّ عوامل تناقضِ الأزمةِ السوريّة لإرادتها لتقودَها وفق خطتها بالاحتلالِ، متبعة سياسة اللعبِ على شفيرِ الهاوية، والتصعيدِ السياسيّ مع واشنطن الحليفِ التاريخيّ التي حاولت إمساك العصا من الوسط مقابل المدّ الروسيّ، لتشنَّ العدوان وتحتلَ مستثمرة التناقض الدوليّ.

انسحابٌ مبكرٌ واستقالات

لم تنجحِ السياسةُ الناعمةُ الأمريكيّة بوضع حدٍّ للمساعي التركيّة للعدوانِ على شمال سوريا، فقد اعتبرت أنقرة تحريرَ مدينةَ منبج في 12/8/2016 خطوةً مهمةً للوصلِ الجغرافيّ بين كوباني وعفرين، وارتفعت حدةُ التصريحاتِ التركيّة وتحدثت عن رفضِ ما سمّته “ممراً” يحكمُه الكردُ. فتحركت بسرعةٍ لقطعِ الطريقِ باحتلالِ جرابلس في 24/8/2016 بعمليةٍ سمّتها “درع الفرات” واحتلت مدينة الباب في 22/2/2017. وفي إطار صفقةٍ مع موسكو بدأتِ العدوانَ على عفرين وأتمّت احتلالها في 18/3/2018.

لم تكن حربُ الإرهابِ قد انتهت عندما أبدى الرئيس الأمريكيّ عزمَه على سحبِ قواتِ بلاده من سوريا في 8/12/2018 وكتب: “منذ مدةٍ طويلةٍ ونحن نحاربُ بسوريا، وأنا رئيسُ الولاياتِ المتحدة منذ عامين، لقد قطعنا مرحلةً كبيرةً، وهزمنا داعش شرَّ هزيمةٍ واستعدنا الأرضَ”، وتابع: “آن الأوانُ لعودةِ جنودنا للديارِ فلقد كان السببُ الوحيدُ لتواجدنا بسوريا في فترة رئاستي هو تنظيمُ “داعش” الذي هزمناه”.

بعد إعلان ترامب سحبَ القواتِ من سوريا قدّم وزيرُ الدفاعِ الأمريكيّ جميس ماتيس استقالته وعبّر برسالةٍ لترامب مباشرةً عن قناعته بضرورةِ محافظةِ الولايات المتحدة على تحالفاتها القوية “ومعاملة الحلفاءَ باحترامٍ”. وفي اعتراضٍ لقرارِ الانسحابِ استقال المبعوثُ الأمريكيّ إلى التحالفِ الدوليّ بريت ماكغورك في 22/12/2019، ونقلت عنه وكالة أسوشييتدبرس قوله: “إنّ اعتبار داعش قد مُني بالهزيمة، يُعدُّ أمراً متهوراً وسيكونُ سحبُ القواتِ الأمريكيّة أمراً غير حكيمٍ.

وفي 24/12/2018 نشرت شبكة CNN الأمريكيّة، مقتطفاتٍ من مكالمةٍ هاتفيّةٍ بين ترامب وأردوغان، وقال ترامب: “هي كلها لك… لقد انتهينا، سأغادر”، قاصداً كلّ سوريا. ولكن تدخلَ كبارِ السياسيين الأمريكيين ومعارضةَ البنتاغون لقرارِ الانسحابِ أدّت إلى تجميده.

اتفاقُ الآلية الأمنيّة كان احتواءً لأنقرة

في الواقع كانتِ العلاقةُ الأمريكيّة في مستوى التنسيقِ العسكريّ أفضلُ منها في السياسة التي اتسمت بالمراوغة، فلم تبدِ الإدارةُ الأمريكيّة أيّ رؤىً واضحةٍ أو مشروعِ حلٍّ سياسيّ ولم تفصح عن أبعادِ خطتها وتدخّلها عدا عن السعي لإبعادِ إيران لكسرِ الجسرِ وشمل (طهران، بغداد، دمشق، حزب الله) والذي اًستكمِل إثر قرار أوباما سحب القوات الأمريكيّة من العراق، ورغم أنّ الهاجس الأمريكيّ يتعلق بأمن إسرائيل، فقصفت موقع إيرانيّاً بصواريخ مسبقة الدفع من السعودية فيما واصلت إسرائيل شنّ الغاراتِ مستهدفةً المواقع الإيرانيّة بسوريا.

واصلت تركيا التهديدِ بعمليةٍ عسكريّةٍ على شرق الفرات، وزادت حدّةُ التهديدِ بعد إعلان هزيمةِ داعش بآخر معاقله ببلدة الباغوز في 23/3/2019. لنصلَ إلى تاريخ إعلان ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، وما تبع ذلك من تعديلاتٍ وتصريحاتٍ متضاربةٍ انتهت بتوافقٍ حول إنشاءِ منطقةٍ آمنةٍ تهدفُ لتحقيقِ ثلاثةِ أهدافٍ رئيسيّة: منع عودةِ ظهورِ داعش، ومحاربة خلاياه المتبقية، وجعل شرق الفرات أحدَ الروافع الأمريكيّة في مشروعِ قطعِ الطريقِ على النفوذِ الإيرانيّ وحماية الحلفاء المحليين.

لم تتوافقِ الأهدافُ الأمريكيّةُ المعلنةُ من المنطقةِ الآمنة مع الخطةِ التركيّةِ التوسعيّةِ ولم تتضمن إنهاءَ وجودِ قوات سوريا الديمقراطيّة على الحدودِ، ولم تلتزم تركيا بفرض الحصار على طهران، بل كانت قناةَ كسرِ الحصارِ عليها عبر صفقاتٍ وتحويلات ماليّة، وبعبارة لم تشأ أنقرة أن تلعبَ دوراً فاعلاً بتطبيقِ العقوباتِ على إيران مع انخراطها بالتنسيق معها في إطار أستانه طرفاً ضامناً حقق مكاسبَ على الأرضِ واستمدَّت شرعيّةً لوجودها العسكريّ في إدلب لتقيم 12 نقطة مراقبة.

عارض الجنرالُ المتقاعد جوزيف فوتيل، الرئيسُ السابق للقيادة المركزيّة الأمريكيّة (حتى آذار الماضي)، علناً سيطرةَ تركيا على المنطقة. وحذّر فوتيل في مقال بالاشتراك مع الخبيرة في الشؤون التركية بجامعة جورج واشنطن، غونول طول ونُشر في موقع “ناشيونال انترست” 12/8/2019 من أنَّ منطقةً آمنةً سوريّة تسيطرُ عليها تركيا ستخلقُ مشاكلَ أكثرَ لكلِّ الأطرافِ هناك”. وقال فوتيل: إنّ “فرضَ منطقةٍ أمنيّةٍ بعمقِ عشرين ميلاً (30 كم) شرق الفرات ستكونُ له نتائجٌ عكسيّةٌ، منها على الأرجحِ التسببُ بنزوح 90% من سكانِ المنطقةِ، ومفاقمةِ الوضعِ الإنسانيّ الذي يشكّل حالياً تحدّياً بالغاً، وخلقُ بيئةٍ لمزيدٍ من النزاعاتِ”.

الموقفُ التركيّ سببَ تردداً لدى ساسةِ واشنطن، فهي تدركُ أنّ أيّ متغيّرٍ في تصعيدِ التهديدِ التركيّ ستقودُ لاتفاقٍ بين قسد ودمشق، ولطالما عملت على تعطيلِ جهودِ الحوار، وأيّ صيغة اتفاقٍ ستجني طهران عوائده، ويكون بالمدى البعيدِ انتصاراً لمحورِ أستانه وإنهاءً لمسارِ جنيف.

اختلافٌ في التقييم والأولوياتِ

رغم علاقة التحالف التاريخيّة بين واشنطن وأنقرة في إطار حلف الناتو، إلا أنّه كان من الصعب التوافق حول صيغة الأولويات التركيّة والأمريكيّة في سوريا، وحاولت واشنطن الدفعَ باتجاه توافقٍ بصورةٍ ما تحفظُ فيه شكلاً من التوازنِ وتخفيفِ الهواجسِ بين أنقرة وقسد، وقامت بإيفادِ الجنرال كينيث ماكينزي، أرفع مسؤول أمريكيّ إلى شرق سوريا وهو قائد المنطقة الوسطى بالقيادة المركزيّة للتحالف الدوليّ، بالتزامن مع زيارةِ مبعوث واشنطن إلى سوريا، جيمس جيفري، إلى أنقرة ولقائه بوزير الخارجية التركيّ ومسؤولين في أنقرة لبحث المنطقة الآمنة، وتبع ذلك اجتماعات أخرى أظهرت الخلاف بين الطرفين حول عدةِ نقاطٍ منها عمق المنطقة الآمنة، التي ستدخلها القوات التركيّة، وطبيعة هذه القوات ودورها العسكريّ، وفي هذه المرحلة تمّ تداول أرقام مختلفة لعمق المنطقة الآمنة عكست موقف كلِّ طرفٍ، (30كم أنقرة،10كم واشنطن، و5 كم قسد،).

كانت أنقرة تتطلعُ إلى عمقِ المنطقةِ وضربَ التواصلِ الجغرافيّ فيها عبر الوصول للطريقِ الدوليّ M4 والسيطرة عليه، وهو يبدأ من قامشلو إلى تل تمر ومنها إلى عين عيسى ووصولاً إلى الداخل السوريّ. وحاولت إقناع واشنطن بأنّ ما تبقى من المساحة يحققُ أهدافها في ملاحقةِ بقايا داعش وقطعِ الطريقِ على النفوذِ الإيرانيّ، ومنِع وصولِ النظام السوريّ إلى المنطقة.

أدركت قسد أبعاد الخطة التركيّة وأبدت عدم قبولها بالمسافة التي تطرحها أنقرة، ووجدت فيه تهديداً أمنيّاً مباشراً لمفرداتِ المشروع السياسيّ الذي يقومُ على أولويةِ تثبيتِ الأمنِ بالمنطقة، وأنّ التوغلَ التركيّ سيبعث الحياة في خلايا الإرهابِ.

ضربُ الخصمِ بالخصمِ

تعتمد موسكو في سوريا أسلوب العسكريّ لتخفيفِ الملفاتِ فلا يبقى شيءٌ منها للتفاوضِ حوله، واعتمدت سياسة ضرب الخصم بالخصم بأكثر من منطقة، نموذجاً للحربِ الأقل كلفةً، وفي سياق علاقتها مع أنقرة غيّرت قواعدَ اللعبةِ وانتقلت من محاربةِ الإرهابِ إلى استثماره، وضغطت بقوةٍ عسكريّةٍ كبيرةٍ وأنجزتِ المصالحاتِ ونقلت بموجبها المسلحين تباعاً إلى إدلب لتكونَ التجميعَ المكثفَ للأزمةِ السوريّة. وعفرين لم تخرج من سياق الرؤية الروسيّة للأزمة السوريّة، فاعتبرت الكردَ الخصمَ السياسيَّ لخطتها، فأسندتِ الدورَ لأنقرة وهي تعلمُ حجمَ الشبق التركيّ بالدم الكرديّ، أي ضربت الخصمَ السياسيّ بالخصمِ الإرهابيّ، وجنت عوائدَ ذلك بريف دمشق والغوطة.

إعادة كل الجغرافيا السوريّة لسيطرة دمشق مباشرة هو مضمون هدف التدخلِ العسكريّ الروسيّ مهما كان الثمنُ، وهذا الأساس كان التوافقُ مع أنقرة حول عفرين، لتبدأ العدوانَ بمجردِ سحبِ قواتها الرمزيّة، فيما اعتبرت واشنطن خروجَ منطقةٍ من نفوذ موسكو وانتقالها إلى عهدةِ أنقرة مكسباً لها وربطاً بإدلب حيث تتوافقُ مع أنقرة على منعِ العمليّة العسكريّة، لتجنيَ عوائدَ تعطيلِ المعركةِ شرق الفرات.

بمرور الوقت دخل توافق أستانة وملحقه اتفاقية سوتشي حول إدلب إقامة عازلة منزوعة السلاح بين الفصائل الإرهابيّة ومناطق سيطرة النظام بعمق 15-20 كم بحالةِ احتضارٍ، بسبب تلاعبَ أنقرة ومماطلتها فيها ورقةً تفاوضيّة للضغط واستثمارها في جغرافيا شرق الفرات. وبذلك بدأت موسكو ومعها دمشق قرعَ طبولِ الحربِ لاستئنافِ العمليةِ العسكريّة في إدلب.

لم يكنِ الاحتلالُ التركي لعفرين نهايةَ المشروعِ السياسيّ الذي تمثله الإدارة الذاتية وفقاً لمعطىً آخر هو “فائضُ المساحةِ، والمتمثلِ بجغرافيا شرق الفراتِ وهي منطقة غنية بثرواتها الباطنيّة إضافةً لمنبج غربه، ما يرجّحُ حجمَ الفائضِ ويمنحُ المشروعَ ثقلاً نوعيّاً. وباعتبار الحربِ السوريّة لعبةُ تغييرِ الخرائطِ، وبأخذ العاملِ الأمريكيّ بالاعتبار، جعلت موسكو شرقَ الفراتِ هدف هذه المرحلةِ بعد الاستعصاءِ بإدلب وحساسيّة الوضعِ فيها لجهةِ عدد المرتزقة الأجانب وبخاصة رعاياها من الشيشان والأنجوش والداغستان وسواها.

وبنفس الطريقة لجأت موسكو لضربِ الخصمِ بالخصمِ، إذ أنجزت أنقرة للتو تجميعَ فصائل المرتزقة بأنواعها بمسمّىً وجسم افتراضيّ هو “الجيش السوريّ الوطنيّ”، وضمَّت إليه عناصر من داعش فرّت وعبرت إلى تركيا ومنها إلى إدلب وأُعيدت صياغتهم وتدوير استخدامهم.

كان الوجودُ الأمريكيّ عائقاً أمام خطةِ موسكو، فبدأت حملةً إعلاميّةً مركّزة ضد شرق الفرات واستهدفت مكوناته المجتمعيّة والقوات العسكريّة وأشارت إليه بمشروعِ “الدويلة” ومشروع الانفصال والتقسيم، ليكون ذلك المؤشراتِ الأولى لتوافقٍ روسيّ-تركيّ غير واضحِ المعالم، والضوء الأخضر لأنقرة بالعدوانِ على شرقِ الفرات. وتدرك موسكو أنّ التدخلَ التركيّ هناك سيُحرِجُ الإدارةَ الأمريكيّة ويضطرها لاتخاذِ قرارٍ بسحبِ قواتها

إغراءاتٌ وصفقاتٌ على حسابِ الدم السوريّ

اقتصر العرضُ الأمريكيّ على أنقرة أحد خيارين تضمن الأول الموافقةَ على مشروعِ المنطقة الآمنة المشتركة على أن تشملَ كاملَ الامتدادِ الحدوديّ، والثاني القبولُ بقيامِ أنقرة بعملياتٍ محدودةٍ جغرافيّاً، على أن تكونَ خاطفةً أي ضمن مهلةٍ زمنيّة محدودة تتدخل من بعدها واشنطن بمساعٍ سلميّةٍ لوقفِ إطلاق النار وتثبيتِ واقعِ الاحتلال. وتمّ التوافق على الخيار الأول (الآلية الأمنيّة) في 7/8/2019 وانقلبت أنقرة إلى الثاني (العملية العسكريّة) في 9/10/2019 واستند الانسحابُ الأمريكيّ إلى منطق راسخٍ باستبعادِ احتمال أيّ شكلٍ من المواجهة بين قوتين في حلف الناتو، والأسباب الأخرى فهي ثانوية جداً من قبيل أنّ الإدارة الأمريكيّة الحالية ليست في واردِ خوض حربٍ مباشرةٍ، ولا هي مستعدةٌ لتحملِ أعبائها والتضحية بجنودها، وكان ذلك مضمونَ تغريداتِ ترامب بأنّ هذه الحربِ لا تخصُّ واشنطن، فالبراغماتيّة تميّز بين حربِ الإرهابِ الداعشيّ ومواجهةِ النفوذِ الإيرانيّ اعتماداً على عوامل مذهبيّة من جهة، ودورِ تركيا في المنطقةِ والعمل على استعادة دورها بعدما أبدته أنقرة من انفتاحٍ على موسكو في مجالاتٍ متعددة وعقد صفقات السلاح معها وصولاً لبناء محطة مرسين النوويّة.

تقول أنقرة إنَّ احتلالَ المنطقةِ ما بين كري سبي/ تل أبيض وسري كانيه/ رأس العين هي هدفُ المرحلةِ الأولى من الخطةِ التركيّةِ، ليزورَ نائبُ الرئيسِ الأمريكيّ مايك بنس أنقرة ويتمّ الاتفاق على ما يمكن تسميته بـ”الهدنة”، ومهلةِ 120 ساعة لفرضِ أهدافِ العدوان نفسها شروطاً. وقبل انتهائها بساعات أُبرم اتفاقُ سوتشي في 22/10/2019 مع روسيا بهدنة 150 ساعة وحزمةٍ من الإغراءاتِ والحوافزِ الروسيّة.

جاء الردُّ الأمريكيّ عبر دعوة ترامب لأردوغان بزيارة واشنطن في 13/11/2019 وتقديم عرضٍ اقتصاديّ مغرٍ قيمته 100 مليار دولار للتبادل التجاريّ، ليتمَّ تمييعُ القضايا السياسيّة العالقة والتي كان يُراهن على أنّها ستشكلُ عقباتٍ بالحوارِ، ولتؤكّدَ واشنطن مجدداً على استعادةِ أنقرة على حسابِ الدم والجغرافيا السوريّة، وكان استدعاءُ ترامب لأعضاءِ الكونغرس المعارضين محاولةً لتلميع حالةِ الترددِ الأمريكيّ.

عدوانٌ باستثمارِ التناقضِ الدوليّ

ثلاثة أطر يجب أخذها بالاعتبار في تناول الأزمة السوريّة (الدوليّة، لإقليمية، المحليّة)، وتعمل عليها كلّ الأطرافُ وفق توجهين عسكريّ وسياسيّ، وتحاول كلّ الأطراف الضالعة بالأزمة السوريّة أنّ تجني العوائد السياسيّة على حسابِ الخسائرِ العسكريّة بالميدان السوريّ، وتسعى واشنطن في الإطار الدوليّ لاستقطابِ دورٍ بريطانيّ وفرنسيّ متوافقٍ معها، فيما تهددُ أنقرة الدولَ الأوروبيّة بضخِّ مزيدٍ من اللاجئين لترغمها على الصمتِ وتقديمِ مساعداتٍ ماليّة.

إقليميّاً تضغطُ واشنطن لتحصيلِ تمويلٍ سعوديّ وهي المتورطة بالحرب اليمنيّة، فيما تستثمرُ أنقرة الاضطرابَ الخليجيّ ومقاطعة قطر لتحصّلَ التمويل منها، وأما الدورُ المصريّ المتعارضُ مع أنقرة فلم يتجاوز مواقفَ التنديدِ بالعدوانِ، وعلى الأرض اكتفت واشنطن بالحديثِ عن حماية آبار النفط، ولتستثمر أنقرة حالةُ انكفاء الأمريكيّ تستثمره لقضمِ مزيد من الجغرافيا. وتنتظر موسكو أنقرة لترفع يدها عن إدلب فتقطعَ الطريقَ على تعويمِ النصرةِ وأمثالها لتقديمها طرفاً سياسيّاً معتدلاً.

بالمجملِ كان للتنافسَ الروسيّ-الأمريكيّ دورٌ سلبيّ بإدامة الأزمةِ، استثمرته أنقرة، ولعبت في هوة التناقضِ المتمثلِ بتعويل موسكو على الحلّ العسكريّ مقابل البراغماتيّةِ الأمريكيّة، فمرّرت خطتها واحتلت مناطق سوريّة وتواصلُ العدوانَ شرق الفرات وترتكب كلّ أنواع الانتهاكات والجرائم أقلها التهجيرُ والتغييرُ الديمغرافيّ.