قامشلو/ دعاء يوسف ـ
قيمة وأهمية التضحية والنضال لحرية كردستان، تتجسدان بقول الشهيد يوسف كلو: “من أجل حرية كردستان، والشعب الكردي مستعد للشهادة، وسأقدم خمسين شهيداً آخرين من أبنائي قرباناً لهما”، الشخصية الوطنية، التي عاهدت شعبها وأرضها ووفت، ومع مرور عامين على استهداف المناضل “يوسف كلو”، وحفيديه “مظلوم، ومحمد كلو”، بعد مسيرة حافلة بالتضحيات، جددت عائلة كلو الوطنية عهدها السير على نهج الشهداء.
من رحم أرض كردستان، ولدت العديد من العائلات الوطنية، التي صقلت روح النضال والفداء داخل شخصية كل فرد منها، في سبيل حرية شعبها، وعائلة كلو، هي مثال للعائلات، التي نشأت من روح النضال والفداء من أجل الوطن، فقد واجهت العائلة التحديات والمخططات، التي وجهت ضدها، وظل أفراد العائلة ملتزمين بمسار شعلة شهدائهم السابقين.
فعندما ترى جداً يحمل نعش ولده، الذي حمل جثمان حفيده، وتشاهد أماً تصلي على ولدها بعد أن ذرفت دموع فقد حفيدها وزوجها، وتشهد على نضال شبان يسيرون على الدرب نفسه، تدرك أنك تتحدث عن عائلة “كلو” الملتزمة المناضلة والمضحية، وتعكس قيم الوفاء والحب من أجل شعبها، وقد كان تقودها شخصية، أبت أن ترحل إلا شهيداً.
من هو المناضل يوسف كلو؟
والد شهيد، وعم شهيد، وخال شهيد، وجد شهيد، هكذا كان يوصف عميد الشهداء “يوسف كلو” 82 عاماً، فقد كان الشخصية الوطنية، التي أفنت حياتها في خدمة القضية الكردية، وشعوب المنطقة، وقادت المساعي لتحقيق السلام والاستقرار، فمن ثورة حركة حرية كردستان وصولاً إلى ثورة 19 تموز2012 في روج آفا وشمال وشرق سوريا، استطاع أن يكون رائداً في النضال والمقاومة من أجل الكردياتية، حتى وصوله إلى مرتبة الشهادة.
وتنحدر عائلة كلو من قرية “جلي” التابعة لنصيبين، إلا أنها هاجرت إلى “توبز” التابعة لعامودا، بسبب المجازر التركية بحق الكرد في باكور كردستان، حيث أنه بعد انهيار ثورة “الشيخ سعيد” بباكور كردستان، عمدت الدولة التركية المحتلة ببدء مخططها الهمجي لإبادة الشعب الكردي بشكل علني، ومع مرور السنين سكن القسم الأكبر من العائلة في قامشلو بحي الهلالية.
ولد العم “يوسف كلو” في أواخر الثلاثينات، وكان من النشطاء السياسيين الكرد، الذين انضموا إلى العمل السياسي في سبيل قضية كردستان في الستينات، وبعد تأسيس حزب العمال الكردستاني ودخول القائد “عبد الله أوجلان” لروج آفا، تعرف العم “يوسف” على حركة الحرية، وحينها التقى القائد عبد الله أوجلان عدة مرات، فأصبح منزله وعائلته مكاناً آمناً لكل وطني كان يلجأ إليه، ورغم المصاعب والمشاكل، التي كانت تسببها له حكومة دمشق بسبب وطنيته، وقوميته، إلا أنه لم يتراجع، بل كان إصراره يزيد على النضال، فقد آمن بأن لشعبه حقا مسلوباً، ويجب استرجاعه.
الحرية ثمنها التضحيات
وهذا النضال، الذي لم تعرف له حدود، أو خوف سواءً من السلطة أو غيرها، فتح الباب لعائلته لتنضم إلى حركة الحرية، وتنشر الروح النضالية في أنحاء كردستان، فانضم الابن الأكبر له، الشهيد “مصطفى كلو” إلى حزب العمال الكردستاني 1989، واستشهد في التاسع من تموز عام1991، ومن بعده الشهيد “صبري كلو”، الذي استشهد ضمن صفوف وحدات حماية الشعب عام 2013، والشهيد “نور الدين”، وبشهادة حفيدته ريحان “كولان” في مقاومة العصر بعفرين ضمن صفوف وحدات حماية المرأة في 2018، وأيضاً حفيده الشهيد “محي الدين كلو” المقاتل في قوات الدفاع الذاتي، والذي استشهد في التاسع من آب 2022 في قصف مسيّرة للاحتلال التركي على مدينة قامشلو، ومن بعدهم الشهداء “مصطفى، معصوم، مظلوم، محي الدين، باران، ….”، الذين لم يتنازلوا يوماً عن أرضهم، ليصبح “يوسف كلو” عم الشهيد، ووالد الشهيد، وخال وجد الشهيد، ومن ثم الشهيد، فبات لهم ستة عشر شهيداً من عائلة كلو، سقت تراب الوطن بدمائهم الطاهرة.
وفي لقاء لصحيفتنا “روناهي” مع الشخصية الوطنية “إبراهيم كلو” شقيق يوسف كلو الأكبر، والذي بين لنا، أن فكر القائد “عبد أوجلان” كان الجسر لانضمام العائلة للحركة: “إننا رأينا أن هذا الفكر والتآمر ليس فقط من أجل حق الشعب الكردي فقط، بل من أجل حق الشعوب المضطهدة”.
وتابع: “وكان من الواضح أيضًا أن هذه الفكرة ستكون طوق النجاة لشعوب الشرق الأوسط بأكملها، لهذا السبب، في عام 1984، عندما تشكلت القوات العسكرية، انضم إليها أبناؤنا فزفت العائلة أول شهيد لها “نور الدين كلو” باسمه الحركي مصطفى كلو، ولم يكن آخر شهيد يزف للوطن، فقد سقت عائلة كلو الأرض بدماء شهدائها، وانضمت العشرات من أولادها إلى الثورة”.
ونوه “إبراهيم كلو” إلى تحقيق وعد شقيقه الشهيد “يوسف كلو”، أن يختم نضاله الدؤوب من أجل الحرية بالشهادة، فقد طالته مخالب العدوان الغادر، ففي التاسع من تشرين الثاني عام 2021، ارتكبت جريمة الاحتلال التركي مجزرتها في حي الهلالية بحقه وبحق حفيديه مظلوم (40 عاماً، ومحمد 21 عاماً)، فقد كانت الاستهدافات متكررة بحق عائلة كلو، التي قدّمت أبنائها وبناتها شهداء للوطن في مسيرة النضال من أجل الحرية.
كما أكد “إبراهيم كلو”، أنهم قدموا 16 شهيداً من أجل الحرية، وأن عائلة كلو مستعدة لتقديم المزيد: “لأننا أصحاب حق، ندافع عن تراب الوطن ونطالب بالحرية، لنكون محط استهداف المسيرات والقصف التركي، لأن تركيا لا تريد أن يكون للشعب الكردي وطن وهوية”.
وتطرق إبراهيم إلى أن الحرية لا تأتي بالكلمات، فمن يسعى للحرية عليه أن يدفع ثمنها، مبيناً أنهم على استعداد للتضحية بأرواحهم فداء للحرية: “سوف ندفع الكثير في المقابل؛ لأننا مع كل شهيد سنجدد وعودنا، ونخطو خطوات أكبر نحو الحرية”.
