ورحل نهر العطاء ولحن الغناء

عبدالرحمن محمد-

 أرض الخصب والعطاء ومنهل الخير والنماء؛ الجزيرة الغنية بخيراتها والمعطاءة في شتى مناهل الحياة ومشاربها كانت وما زالت ثرية تكتنز الكثير من الخيرات والخبرات والقامات ثقافية والفنية يشهد لها التاريخ ويحتفي بها الوطن، ونهر العطاء في عالم الفن والغناء والشعر محمد علي شاكر من أبناء هذه الجزيرة ودعها وودعنا اليوم.

 الفنان محمد علي شاكر من مواليد الدرباسية سنة 1946 في إقليم الجزيرة، ومن أسرة متوسطة الحال تعمل في الزراعة، وتهتم بالفن والأدب والموسيقا، درس الابتدائية في مدينته، وأتقن تجويد القرآن في الابتدائية والعزف على المزمار في الإعدادية، ودرس في معهد تأهيل المعلمين لسنة واحدة ثم انتقل لدراسة اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة حلب وتخرج منها وكان يعمل في التدريس إلى جانب دراسته، ثم تزوج عام 1975 وانتقل إلى مدينة سري كانيه وأقام فيها.

بدت علامات النبوغ في الموسيقا والغناء على شاكر وهو صغير، وكان للجو الأسري تاثير في ذلك ، فوالده عازف وجده إمام جامع ومؤذن، وشقيقه محمود كذلك كان من محبي الموسيقا وشاركه التدريب باكراً على آلة العود، وبتدريب ذاتي تدربا وأتقنا العزف.

تأثر الفنان محمد علي شاكر بالموسيقا العربية بداية مشواره فقد كان المذياع رفيقه الدائم، وكان دائم الاستماع لأم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش، والرحابنة، وتأثر بهم، وكذلك تأثر بالموسيقا الكردية التي كانت تذاع عبر القسم الكردي في إذاعة بغداد وغناء وألحان شمال صائب وفؤاد أحمد وجلال جمال.

اللحن والقصيدة… توأما العشق

كانت بدايات ولوج الفنان محمد علي لعالم اللحن والقصيدة كما قال في بعض الحوارات معه في عام 1969 عندما قدم الشاعر يوسف برازي “بي بهار” مجموعة قصائد منتقاة من قصائده لشقيقه محمود ليغنيها وكان من بينها رابه جي خوي، وحبس وزندان” وتوقف بعده الراحل بي بهار عن التلحين لفترة، وعندها بدأ شاكر أولى محاولاته في التلحين ولحن “زينبي، كوري، از كجم كجا كوردا مه” وغناها شقيقه محمود وأذيعت في القسم الكردي بإذاعة بغداد عام 1970.

وبسبب التزامه بالتدريس وإعالة أسرته لم يكن يستطيع السفر وإقامة الحفلات الخاصة به ليغني، وكان يفضل كتابة القصائد ويلحنها ليغني أغلب ألحانه وقصائده شقيقه محمود عزيز شاكر ليكمّلا بعضهما البعض، ويعرفان كثنائي فني رائع.

العودة إلى سري كانيه… حلم رحل مع ينبوعها

بعد العدوان التركي الأخير واحتلال سري كانيه اضطر الفنان العاشق أن يهجرها قسراً وفي قلبه غصة الاغتراب ومفارقة الأحباب وذكريات العمر، فقد كانت مدينته وملتقى أحبته وجنته التي كان يحبها بكل جوارحه، ويقول عن نزوحه عن مدينته وما ترك فيها في أحد اللقاءات مع الإعلام: “هذا قدرنا، خرجنا بملابسنا وتركنا كل شيء خلفنا؛ بيتي بما فيه وذكريات حياتي، وكذلك آلاتي الموسيقية وألبوماتي كلها. تركت خلفي آلة كمان فرنسية عمرها أكثر من 200 عام، والعود، وألبومات الصور، وبعض أشرطة الكاسيت الصوتية، حزين لأنني لم أصطحب تلك الأشياء معي، كنت أعتقد بأن الأمر لن يطول وسنعود قريباً، ولم أتوقع أن يكون هناك غزو ونهب لبيوتنا كما حصل، إذ أخبرنا جيران لنا زاروا سري كانيه أن الحي كله مسروق، وقد تحول إلى ثكنات عسكرية، بما في ذلك منزلي الذي صار قبوه سجناً”.

محمد علي شاكر… نصف قرن من العطاء

ترك الفنان الراحل محمد علي شاكر إرثا فنياً ونتاجاً غزيراً ومميزاً من الألحان والأغنيات وقصائد جمة تُغْني المكتبة الكردية الأدبية والذاكرة الموسيقية، فقد نظم ولحن على مدى ما يقارب نصف قرن ما يربو على 270 قصيدة شعرية، منها 170 قصيدة غناها له شقيقه محمود عزيز شاكر، ولحن للعديد من عمالقة الغناء الكرد، كما لحن 30 أغنية لغيره من الشعراء، وكان دائم الإخلاص والعطاء في كل المناسبات والظروف وكتب ولحن عن الثورة والشهداء والثوار والأرض والجمال، وبرع في كل ذلك، وصدر له كتاب ضم حوالي 70 قصيدة منتقاة من قصائد نشرته وطبعته هيئة الثقافة في إقليم الجزيرة، كما نال العديد من الجوائز وكرم في العديد من المهرجانات والفعاليات ومن قبل مؤسسات ثقافية عدة.

محمود عزيز شاكر غادر أحبته وودع ألحانه وقصائده ومدينته التي كانت جزءًا من روحه، لوح مودعاً إلى الأبد صبيحة يوم الخميس24-12-2020، لتفقد سري كانيه أحد أجمل ينابيعها، ويودع الكرد أحد عمالقة الفن الأصيل الذي سيخلد اسمه في سجلات الخلود الأبدية، إلا أن نهر إرثه الخالد سيستمر في تجدده كلما ذكر اسمه أو سمعت أغانيه أو قرئت قصائده.