وحشٌ محاطٌ برحابةِ السيرةِ ينتصرُ على وحشٍ رأتهُ العينُ خطفاً

أحمد ديبو_

---

أيها الوحش، الذي يقيم في مكتبة رأسي، أريد أن أطردك من مكتبة رأسي.

من أعماق هذا الوادي، أصرخ في وجهك، أيها الشعر، صرخة الشاعر، لا صرخة الإرهابي. أنت كلاهما أيها الشعر، وكلاهما قاتل.

كلاهما، أنا، أيضاً، أيها الشعر.

شريكان كاملا المسؤولية، ويتنصلون، ونتنصّل.

علّمني فقط ألَّا أكونهما، وإن كنت أعرف، أني لا أستطيع.

علّمني، في الأقل، أن أضع شريطاً شائكاً بينهما؛ لأني اكتفيت.

خلصني من الإرهاب أيها الشعر، وخلصني من الشاعر.

أعرف أني لا أستطيع، أعرف أيضاً أنك لا.

لكني، أحياناً، كالآن، لا أكثر داخل جدران رأسي، لا أعثر إلا على العدم أيها الشعر

ولا يسمعني أحد سوى أنا، سوى أنت أيها الشعر.

وأحياناً، كالآن، أنت لا تسمع.

بعينيك ترى فقط، لكن بقلبك لا.

فماذا تظنني أستطيع أيها الشعر.

أأستطيع أن أظل، أكون بلاداً كهذي البلاد؟!.

وشعوباً كهذي الشعوب؟!

أأستطيع أن أظل، أكون شاهداً كهؤلاء الشهود، ضحية كهؤلاء الضحايا، قاتلاً كهؤلاء القتلة؟.

وأنت، من تظن نفسك تكون، أنت أيها الشعر؟!

أتكون إلهاً، لكي تستطيع ما تستطيع، أم أسطورة، أم صحراء لا تشبع من كونها صحراء؟!.

وأنا، أأستطيع أن أظل هكذا؟!، وأن تظل تظنني الملاك؟!.

إن أنا كما تعلم، سوى بشر، أيها الشعر، وإن كنت أرضكَ، وشعبك، ورأسك، ومكتبة رأسك أيها الوحش.

وأراك تفترض أني أستطيع… فهل أظل أستطيع؟!.

لستُ ملاكاً فقط أيها الشعر، ولا فقط وحشاً، وأيضاً لستُ الإله.

علمني أن أضع شريطاً شائكاً بينك، وبينك أيها الشعر.

أو علمني أن أظل، أكون الميزان.

إن أنا سوى وجع الكيمياء أيها الشعر، ومن يستطيع، وإن شاء أن يتنصّل !..

وعندما تأكلني الوحوش، لا أجدك سوى تنتظر أيها الشعر، وأحياناً كالآن، لا أراك.

أعرني عينيك، وقلبك لترى أيها الشعر، وأيضاً لا أقوى.

كم أخافك الآن أيها الوحش، كم أخاف أن أظل أتحمّل، الآن، هذا الإرهابي الذي يلتهم.

وكالآن، علمني أن أسكن خارج الجحيم.

وعلمني، أن أرى مكتبة رأسي تقتتل، وأن أرى، أو ألَّا أرى، لكن أن لا أشفق.

اجعلني، إذا شئت، وحشاً ينتصر، بالحلم، على وحش.

لكن لا تتركني وحشاً قبالة وحش…داخل وحش.

أحياناً، كالآن، أعلن أن لا قِبَلَ لي بهذه الكيمياء ولا بعهد.

وكالآن، أحياناً، يريد رأسي أن يستقيل من مكتبة رأسي.

هذا الرأس، الذي يتآكل، مثل حجر في الريح، ومثل نجمةٍ تحت دموع عاصفة،

علّمني رويداً أن أُروض البشر، الذي أنا.

وإذا سمحت، وتسامحت، ورأيت، وتغافلت، علمني كيف أستطيع أن أنام على مخدّة عدوّ، هو ألم العيش في بلاد ممنوعة من أن تكون بلاداً، وبين شعوب ممنوعة من أن تكون شعوباً.

لم أعد أطلب الكثير أيها الشعر.

لا تغيير، العالم يهيمن الآن، ولا الأوطان، ولا الناس، ولا الليل، ولا النهار، ولا الزمان، ولا المكان، ولا العمر.

أطالبك بالحب فقط، وبحماية الحب، وبضع نجوم أريد منها أن تزور كلماتي، من أن تظل الكلمات توهم بجمر الكلمات.

صدقني أيها الشعر:

أريد أن أعرف فقط كيف أدير أعمال هذا الوحش التوأم، الذي في رأسي.

وأريد أن أعرف كيف أظل أرتب هذه الكتب، وأوزعها بالتساوي بيني وبيني.

علمني كيف أظل أستطيع أن أعيش بلاداً كهذه، وبين أناس كهؤلاء.

لأجل أن أتعلّم فقط، كيف تظل تستطيع هذه البلاد أن تكون بلاداً.