هل من أفق للحل؟

ستالين سليمان-

أكملت الأزمة السورية عقدها الأول ولا تزال أفق الحل مسدودة أمام الشعب السوري بالرغم من كل الاجتماعات والطروحات التي (تبشر) باقتراب ذلك الحل.

من جنيف إلى سوتشي جميعها اجتماعات تهدف على الأقل كما هو معلن لإيجاد حل للنزاع في سوريا إلا أن جميعها لم تفلح في الوصول إلى الحل المنشود، ولعل الأسباب التي تضع العصي في عجلات الحل كثيرة، أبرزها غياب بعض الأطراف الفاعلة في المشهد السوري عن تلك الاجتماعات، وأبرز تلك الأطراف هي شعوب شمال وشرق سوريا التي أثبتت نفسها رقماً صعباً في المعادلة السورية، ولا يخفى على أحد “الفيتو” التركي حول مشاركة شعوب شمال وشرق سوريا، والوقائع أثبتت صعوبة الوصول إلى حل حقيقي للأزمة السورية دون مشاركة فعالة لكافة السوريين.

إن تشتت وتبعثر أطراف المعارضة المرتزقة والوطنية الديمقراطية في تشكيلات مختلفة سمح للأعداء بالتدخل لتحقيق مصالحهم واحتلال العديد من المدن السورية وأن تكون لهم الكلمة الفصل، في الوقت الذي لا يوجد لتلك الأطراف أي كلمة مستقلة عن الذين يشغلونهم، وتبقى كلمة الوطنيين السوريين مغيبة لا يسمعها أحد، ولكي يُسمع لهؤلاء صوت لا بد من توحيد كلمتهم كي يستطيعوا أن يكونوا طرفاً جديراً بالتفاوض مع الآخرين والنظام أيضاً.

أبرز ما تمخض عن تلك الاجتماعات آنفة الذكر هو صدور قرار مجلس الأمن ذي الرقم 2254، وعنوانه العريض هو حق الشعب السوري في تقرير مصيره، ذلك الحق الذي سلب منه منذ تدويل أزمته، إضافة إلى عناوين رئيسية أخرى أبرزها تشكيل جسم انتقالي يُشرف على كتابة دستور جديد لتُنظم بناء عليه انتخابات ديمقراطية حقيقية بإشراف أممي تشمل كامل الجغرافية السورية ويُشارك فيها جميع السوريين داخل وخارج البلاد.

القرار أعلاه صدر بموافقة دولية وداخلية وبناء عليه تتبجح جميع الأطراف الخارجية والداخلية بحرصها على تطبيقه، إلا أن الكثير من الأطراف الخارجة وبالتوافق مع المتشددين في الأطراف الداخلية السورية تُثبت بالممارسة اليومية سعيها الحثيث لتعطيل تطبيق ذلك القرار.

إن تطبيق القرار 2254 يحتاج بالدرجة الأولى إلى عاملين أساسيين، العامل الأول يتعلق بالتوافقات بين الدول ذات الشأن في المشهد السوري، في حين يتعلق الشق الثاني بتوافق السوريين الوطنيين أنفسهم على تطبيق ذلك القرار، توافقٌ من شأنه أن يشكل ضغطاً على الدول المؤثرة في سوريا ليدفعهم باتجاه توافقات مبنية بالدرجة الأولى على مصالح الشعب السوري، وتوافق السوريين فيما بينهم يمر عبر محطتين أساسيتين، تكمن الأولى في توافق الوطنيين في صفوف المعارضة، في حين تكون المحطة الثانية في إيجاد سبيلٍ  للتوافق بين الوطنيين في مختلف الجهات السورية للوصول إلى تغيير حقيقي في بنية النظام.

إن أي توافق من هذا النوع بين السوريين أنفسهم يقتضي بالضرورة العمل على عزل المتشددين الموجودين في الأجسام السورية المعارضة كالإخوان وغيرهم، هؤلاء المتشددون الذين يختلفون شكلاً ويتفقون مضموناً على زيادة مآسي الشعب السوري وإطالة عمر أزمته.

إن الحديث عن توافق الوطنيين السوريين من جميع الأطراف السورية يعتبره البعض ضرباً من الخيال انطلاقاً من فهمٍ مسبق بأن كل طرف سوري مرتبط بطرف خارجي يأتمر بإمرته، إلا أن الوقائع على الأرض تثبت عكس ذلك، حيث أن السوريين إذا توفرت لديهم الإرادة استطاعوا التوافق فيما بينهم بعيداً عن الإملاءات الخارجية، ولعل أبرز مثال على ذلك مذكرة التفاهم التي وقعها كل من مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الإرادة الشعبية نهاية آب الماضي والتي شكلت نقطة فارقة في تاريخ الأزمة السورية، وهي ودليل على إمكانية التوافق بين السوريين انفسهم.

إن القرار 2254 يعتبر خارطة الطريق الوحيدة التي تُمكن سوريا وشعبها من الخلاص من أزمته العميقة هذه، كما أنه السبيل الوحيد لإنهاء كافة أشكال التدخلات الخارجية وصولاً إلى إخراج كافة القوى الأجنبية من الأراضي السورية وتحرير جميع المناطق المحتلة، وفي الوقت نفسه يعتبر الموقف العملي من القرار المذكور أعلاه ورقة عباد الشمس التي تفرز القوى السورية فرزاً حقيقياً بين من يريد تطبيق القرار قولاً وفعلاً وحل الأزمة السورية، وبين من ينادي به علناً ويعمل على عرقلته سراً، وذلك لإطالة عمر الأزمة انطلاقاً من مصالح شخصية وحزبية ضيقة.

إن العمل على تطبيق القرار وإنهاء الكارثة السورية يفرض على الوطنيين السوريين تحصين جبهتهم الموحدة وتوجيه بنادقهم باتجاه أعداء الحل العابرين لكل التشكيلات السياسية والطائفية والقومية.