سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

هل تستفيد تركيا من التدخل العسكري في ليبيا؟!

 تحقيق/ صلاح إيبو

في الوقت الذي ما تزال نيران الحرب مشتعلة في إدلب شمال غرب سوريا، والتي تقف فيها تركيا كالمتفرج على تهجير المدنيين وقتلهم، وضمان أمن نقاط مراقبتها العسكرية المحاصرة من قِبل قوات النظام السوري، تعمل تركيا على إرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق هناك التي وقّعت معها اتفاقات عسكرية وتجارية مؤخراً.
تركيا اليوم تحاول تسيير سياسات تزيد من أزمات المنطقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بهدف إعادة أمجاد الخلافة العثمانية أولاً، ومواجهة مشاريع اقتصادية ترسمها كلاً من اليونان ومصر وإسرائيل في شرق بحر المتوسط، إضافة لخلاف تركي أوروبي حول حقوق تركيا التنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص اليونانية، هذه الملفات مجتمعةً تجعل من خيارات المواجهة أمام تركية ضئيلة، في الوقت الذي يحاول الضامن الروسي قضم إدلب رويداً رويداً في سوريا وسط صمت تركي رهيب، وبالتوازي تختلف جبهات المواجهة في ليبيا لتكون روسيا في الجبهة المضادة لتركيا، وهو ما يربط الملفين السوري والليبي معاً وربما يرسم ملامح السيطرة الجديدة في شرقي المتوسط وشمال إفريقيا.
شرعية التدخل التركي في ليبيا
تنتظر تركيا تخويلاً رسمياً من البرلمان التركي الذي يسيطر عليه تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، لإرسال قوات عسكرية بحرية ودعم جوي إلى ليبيا، وأعرب رئيس حزب الشعب الجمهوري “قلجدار أوغلو” رفض حزبه لإرسال عسكريين إلى ليبيا، منتقداً سياسات أردوغان في دعم الإخوان المسلمين، لكن رغم أن الطلب الرسمي الذي قدمته حكومة الوفاق الليبية، لتركيا لتلقي دعماً عسكري وفق الاتفاق الأخير بين البلدين، لم يُصادق من البرلمان بعد، إلا أن جهات إعلامية دولية أكدت وصول عسكريين أتراك ومرتزقة سوريين موالين لتركيا إلى ليبيا وتجهيز دفعات جديدة لإرسالها في الأيام المقبلة.
وصرح مسؤول تركي لوكالة “بلومبرغ”، بأنه من المتوقع أن يذهب إلى ليبيا أيضا عناصر من الفصائل السورية المسلحة الموالية لأنقرة، وتابع مسؤول ليبي للوكالة نفسها، أن حكومة الوفاق عارضت في البداية هذه الفكرة لكنها وافقت عليها مؤخراً في ظل استئناف قوات الجنرال خليفة حفتر تقدمها نحو طرابلس.
وأكدت صحيفة “إندبندنت” البريطانية عن وجود خطط لنشر مسلحين سوريين في ليبيا، مشيراً إلى أن كبار المسؤولين الاستخباراتيين الأتراك الذين كانوا حتى الآن يشرفون على الملف السوري انتقلوا في الآونة الأخيرة إلى الملف الليبي الذي أصبح أهم أولوية لأنقرة حالياً.
 إرسال مرتزقة إلى ليبيا بالتزامن مع اشتعال جبهة إدلب
ترى تركيا في ليبيا موطئ قدم مهم في شمال إفريقيا، نتيجة موقعها الجغرافي والثروات الباطنية الموجودة فيها، لكن ثمة سبب أكثر أهمية، وهو محاصرة مصر من جهة ليبيا والسودان معاً، وتعتبر مصر من الدول العربية ذات التأثير ومقراً للجامعة العربية وتشغل مكانة دينية في العالم الإسلامي عبر مشايخة الأزهر الشريف، فالجبهة الليبية المضادة لتركيا، مؤلفة من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات إضافة لروسيا وفرنسا، وانتصار تركيا في ليبيا إن حدث سيكون بمثابة نصر سياسي واستثمار ديني سني بعد فشل أردوغان إعلان نفسه قائداً للمسلمين في قمة كولالمبور الإسلامية الأخيرة.
إضافة لأسباب اقتصادية، ترتبط بمشروع شرق المتوسط لنقل الغاز إلى أوروبا والتي أعلنه كلاً من “مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا” العام المنصرم، والذي يهدد مشاريع تركيا المشتركة مع روسيا وإيران لنقل الطاقة إلى أوروبا، إضافة لنقاط سياسية ترتبط بمستقبل تركيا وحقوق التنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصية والتي ستكون متوفرة لتركيا مع حلول عام 2023 بعد انقضاء اتفاقية لوزان.
 جسر جوي ينقل مرتزقة سوريين إلى ليبيا
ونقل المرصد السوري عن مصادر مؤكدة عن تواجد نحو 300 مسلح من مرتزقة تركيا السوريين في ليبيا وتم نقلهم عبر شركتي الخطوط الجوية الليبية والإفريقية، إلى مطار معيتيقة العسكري، وقال المرصد أن حوالي 1000 مرتزق آخر يتلقون التدريب في معسكرات بتركيا حالياً لنقلهم إلى ليبيا، وفتح باب التسجيل في عفرين المحتلة وعدد من البلدات الأخرى في شمال سوريا، ويتقاضى المرتزق السوري مبلغ مالي يتراوح بين 1800-2500 دولار أمريكي شهرياً، إضافة لمحفزات أخرى تقدمها حكومة الوفاق الليبية في ليبيا، يأتي ذلك مشجعاً لغالبية الفصائل الموالية لتركيا التي يتقاضى أفرادها 400 ليرة تركية فقط، ناهيك عن جرائم الحرب التي يرتكبونها في سوريا من سرقة ونهب وسطو وخطف بطلب الفدية.
 إرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا، وتحدي القوانين الدولية؟!
بعد الغزو التركي على شمال وشرق سوريا، ومشاركة بعض الفصائل الإسلامية المتشددة من بقايا داعش وجبهة النصرة، إلى جانب القوات التركية في احتلال سري كانية وكري سبي، وارتكابها لجرائم حرب وتم توثيقها من قبل المنظمات المعنية، مارست أطراف متعددة من بينها أمريكا الضغط على تركيا والتهديد بتصنيف بعض الفصائل على قائمة الإرهاب، ومن بين تلك الفصائل “أحرار الشرقية، فيلق المجد وفرقة السلطان مراد”، إضافة لفيلق الشام المعروف بتعاطفه مع جبهة النصرة المتمركزة في إدلب.
ووفق للمعلومات والمعطيات على أرض الواقع، عمدت الاستخبارات التركية لعقد اجتماع لقادة هذه الفصائل، في مدينة ديلوك “عنتاب” بباكور كردستان، وحث تلك الفصائل على تغير أسمائها وحلق لحى عناصرها لتفادي تصنيفهم على اللائحة، وبعد بروز الأزمة الليبية فضلت تركيا نقل العديد من هذه العناصر إلى ليبيا وزجهم في المعارك هناك، وبالفعل وافقت قيادات السلطان مراد وفيلق المجد المنضوية تحت لواء ما يسمى بالجيش الوطني السوري المشكل تركيا، في حين رفض فصيل أحرار الشرقية العرض التركي وفضلوا التوجه إلى إدلب للقتال هناك.
فالاستفادة التركية من زج المرتزقة السوريين في معركة طرابلس متعددة، التخلص من الضغط الأمريكي على تركيا نتيجة ارتكاب مرتزقتها جرائم حرب في سوريا، والتقليل من مقتل جنودها في أرض المعركة التي ربما تتدخل فيها أطراف إقليمية ودولية أخرى، إضافة لأهداف سياسية واقتصادية.
تدَخّل تركيا في ليبيا بداية تحرر تركيا من ديكتاتورية أردوغان
لكن معظم التكهنات السياسية تُشير إلى أن التدخل التركي المباشر في الملف الليبي سيزيد من العزلة السياسية المفروضة على تركيا، وستكون نقطة حازمة لانهيار حزب العدالة والتنمية، وأفول نجم أردوغان وأحلامه العثمانية، في الوقت الذي تتغير فيه الخارطة السياسية بالداخل التركي، ولاسيما أن الملف السوري والليبي مختلفان تماماً من حيث القوى اللاعبة فيها والموقع الجغرافي بالنسبة لتركية.