سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

هجمات تركيّة أخرى وانعطاف جديد في مسار القضية الكردستانية

كاوه نادر قادر/ هولير_

دلیر ئاکرەیی
 المشروع الأردوغاني، أو ما يسمى بالعثمانية الجديدة أو إحياء العثمانية القديمة بزي مستحدث أو المشروع التركي الشرق الأوسطي، قد تناوله عَدَدٌ لا بأسَ به من الكُتّابِ والمحللين بما فيه من الكفاية.
أما عن الأطماع التركيّة بالاستحواذ على أراضي الغير، فَحَدِّثْ وَلا حَرَجَ، فهي مرض عُضَالٌ متوارث له جذوره التاريخية والتي لا يسع المجال هنا التحدث عنه كثيراً‏، سوى من باب التذكير ليس إِلّا، فالتدخلات التركية العسكرية في دول الجوار، لا سيما العراق وسوريا، لا يعوزها الدليل القاطع، فهي تتحدث عن نفسها مبررة بحجج واهية لا تنطلي على كائن من كان، إِلّا لِمَنْ يريد إخفاء الواقع الملموس والحقيقة الساطعة أو يتجاهلها مُتَعَمِّداً‏ لنية مغرضة أو لغرض ما يكمن في خبايا نفسه.
 فالشروع بالهجمات العسكرية التركية الأخيرة على مناطق في جنوب كردستان “باشور كردستان” ليلة السابع عشر من الشهر الجاري، تندرج هي الأخرى في هذا الإطار، حيث شن الجيش التركي هجوماً واسعاً على أربع مناطق جبلية استراتيجية في قضاء العمادية بمحافظة دهوك، سبقها قصف جوي كثيف ومحاولات إنزال فاشلة في تلك المناطق.
أطلق الجيش التركي على هذه الهجمات تسمية «قفل المخلب»، وهي جزء من سلسلة عمليات المخالب العسكرية الأخرى التي سعت تركيا من خلالها إلى احتلال هذا الجزء من كردستان عسكرياً، وبصورة تدريجية ممنهجة ومدروسة، لا سيما المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، متحججاً بإخراج قوات حزب العمال الكردستاني من معاقلها هناك والسيطرة على جبل قنديل الاستراتيجي كأهداف معلنة.
وتستشف من تسمية الهجمات التركية هذه بأن أمدها سيطول وتشمل مساحات جغرافية أوسع من سابقاتها، فيما تحركت قوات من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى نقاط التماس مع قوات الدفاع الشعبي التابعة للعمال الكردستاني. أتمنى أن يكون هذا التحرك العسكري المشبوه تكتيكاً عسكرياً لا غير، وإلا تنجر تلك القوات إلى الفخ التركي بإثارة القتال الكردي الكردي المشؤوم، بينما تزامن هجوم الجيش العراقي على حاجز أمني لوحدات مقاومة شنكال في اليوم التالي من الهجوم التركي، تلك الوحدات التي شاركت مشاركة فعالة في دحر داعش في المنطقة، كما ساهمت في بث الأمن والاستقرار هناك فيما بعد، أسفر الهجوم عن جرح عسكريين ومدني واحد، ولا يزال التوتر سيد الموقف، رغم وَقْفٍ لإطلاق نارٍ ‏غير ‏مُعْلَنٍ يلتزم به الجانبان.
وحسب المعلومات المتوفرة؛ فإن الدول الثلاث (تركيا وإيران والعراق) في اجتماعاتها الدورية أعطت الضوء الأخضر للشروع بالهجمات الاحتلالية التركية في مناطق عديدة لإقليم كردستان. في حين تقوم حكومة العراق بتأمين الدعم اللوجيستي والعسكري لها، فيما اكتفت إيران بالموافقة عليها فقط، دون أن تفصح عن نواياها المستقبلية. وفي حديث لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع وسائل الإعلام بُعَيْدَ بَدْءِ الهجمات، صرّح بالآتي: “نشن العملية العسكرية الحالية بمساعدة الحلفاء والأصدقاء والتي ستُنفذ على مراحل عدة وأصعدة مختلفة”، كما صرّح وزير داخلية تركيا سليمان صولو أيضاً لوسائل الإعلام في هذا السياق قائلاً: “سنحرر العراق وسوريا من الهيمنة البريطانية والفرنسية”.
ومن الغرابة بمكان التزام كل من حكومتي العراق وإقليم كردستان جانب الصمت إزاء ما يجري على أراضيهما من احتلال، صَمْتٌ لا يُبشر بالخير فحسب، بل يفتح البابَ على مصراعيه لكل الاحتمالات أو التكهنات والنوايا المبطنة أو الأهداف غير المعلنة لتلك الهجمات العملية، ونحن كمواطني الإقليم محقين في أن تساورنا الشكوك وينتابنا القلق بما يُحدّق بنا من مخاطر وما ينتظرنا من كوارث ومَآسٍ نحن في غنىً عنها، أن تشبثت الأطراف المتصارعة إلى حَلِّ خلافاتها بالتفاوض والطرق السلمية عوضاً عن اللجوء إلى استخدام منطق القوة العسكرية.
والأخطر من كل ذلك هو الصمت المطبق الذي يعتري موقف الأحزاب الكردية إلى حد الآن، لا سيما أن تركيا تُصَّعِدُ من تهورها العسكري في احتلال مناطق أوسع لأراضي الإقليم، في وقت يشتد فيه الصراع العسكري بين كل من روسيا والدول الغربية بقيادة أمريكا على الأراضي الأوكرانية، في محاولة لإعادة جدولة توازنات القوى فيما بين الدول العظمى. في هذا التوقيت بالذات تسعى تركيا جاهدةً عدم تفويت هذه الفرصة الذهبية بتوجيه ضربة استباقية لقوات حزب العمال الكردستاني في المنطقة.
بالرغم من الموافقة المسبقة للدول المحتلة لكردستان على شن هذا الهجوم الواسع، فلا يستبعد أن تخرج المسألة من النطاق الكردستاني مُتّخِذَةً أبعاداً جديدة ليست بالضرورة أن تخدم الأهداف التركية في المنطقة، فخلافات دول منطقة الشرق الأوسط تتمحور اليوم حول مسألة الطاقة وإعادة توزيع الأدوار في المنطق، أما ما يستهدفه النظام الأردوغاني من الهجمات الاحتلالية الجارية هو جني مكاسب داخلية وخارجية من بينها:
1-تحقيق نصر عسكري على الكرد، فيما لو قَيَّضَ لَهُ النَّجَاحَ، كورقة مربحة لكسب ود الشارع التركي مجدداً، وبخاصةٍ أصوات القوميين الأتراك المتطرفين في انتخابات عام 2023 متجاهلاً أن الرياح كثيراً ما تجري بما لا تشتهي السفنُ وتحل بها نتائجاً كارثية من جرّاء هجماته الاحتلالية المتهورة.
2-العمل على استرجاع ولاية الموصل العثمانية وضمها إلى أحضان الوطن الأم حسب التعبير التركي المتداول، وبهذا سيحقق أردوغان تنفيذ بنود الميثاق الوطني (ميساكي ملي بالتركية) الذي صاغه مصطفى كمال أتاتورك في حينه، وهذا يبدو جلياً في تصريح وزير الداخلية التركي حول تحرير كل من العراق وسوريا من قبضة الأوروبيين.
3-السيطرة التامة على مصادر الغاز الطبيعي في إقليم كردستان والتحكم في تصديره من الآن، لاستخدامه كورقة مساومة مع كل من أمريكا وروسيا بتصديره إلى أوروبا أو من عدمه.
 ما أريد القول هنا بإيجاز هو أن توسيع رقعة القتال في إقليم كردستان، يدفع أو يُحَرِّضُ قِوىً وأطرافاً أخرى إلى التدخّل فيه، حينذاك سيضطرب الوضع التركي وتعم الفوضى السياسية والأمنية في البلاد، ما يشكل خطراً على مصير هذه الدولة فيما بعد، بينما يجني الكردستانيون في آخر المطاف نتائجاً مرضية أو مكاسب من شأنها أن تمنع محتلي وطنهم من فرض أجنداتهم التآمرية وتنفيذ سياساتهم العنصرية المقيتة وتعصبهم القومي المنبوذ بقوة الحديد والنار، كما لا بد من التطرق أيضاً إلى أن هذا الصراع يجري على أرض كردستان مما يسبب إِراقةَ دِماءٍ كردية غزيرة، نحن في غنىً عنها إِنْ نَأَت القوى الكردية في إقليم كردستان بنفسها عن المشاركة في هذا الصراع الدامي لصالح المحتل؟!