نوروز في عيون المُثقفين

استطلاع/ قاسم ابراهيم –

لا يخلو يوم من آذار إلا وللكُرد فيه ذكرى، قد تكون مبهجة أحياناً وقد تكون مؤلمة أحايين أخرى، ومن أعظم هذه الأيام يوم الحادي والعشرين، الذي يحتفل فيه الشعب الكردي بعيده القومي عيد نوروز المجيد، عيد انتصار الإرادة على الديكتاتورية، وانتصار المحبة والسلام، وتشاركه عموم شعوب ميزوبوتاميا.

عيد نوروز تجسيد لوحدة آمال وآلام الشعب الكردي، فنوروز انبعاث الحياة والحرية عندما دك كاوا الحداد صرح العبودية والطاغية، وفيه يبزغ يوم جديد، بل فجر حياة جديدة، وها قد بدأت الشمس بالشروق ثانية على يد قوات سوريا الديمقراطية وتجددت معجزة نوروز وبهذه المناسبة قمنا باستقصاء آراء بعض الكتّاب والمثقفين في عيد نوروز.

نوروز عيد الكون

الكاتب والباحث خالد حسين يرى في نوروز حياة جديدة للطبيعة وكل ما عليها: “أنظر إلى نوروز على أنه طقس من طقوس العبور إلى زمن جديد، مطاردة البرد والزمهرير ، إلى حيث الشمس والعشب إلى كينونة جديدة في إثر كينونة أصابها البلاء! لكن النيروز كردياً يأخذ منحى مغايراً عن هذا التفسير الأنتربولوجي إذ يغدو أسطورة من أساطير التأسيس التي لابد منها للشعوب كي تكون، فأسطورة النوروز يمسك التاريخ بمجموعة بشرية ويسميها هكذا ينهض، والكرد من ثنايا أسطورة النوروز كتبوا تاريخهم وتاريخ كينونتهم”.

وأضاف خالد: “نوروز الأسطورة التي كانت بمنزلة الانفتاح ليشرق الوجود الكردي عبر التاريخ في الشرق سرعان ما تحولت عبر تاريخ الكرد المُدمى بالحروب والمجازر ضدهم إلى تحد في وجه العتمة التي حاولت سحق الكرد هكذا أضحى النوروز أغنية للوجود والدفاع عن الذات”.

نوروز تُحرِّر فكر الإنسان

رئيس تحرير “مجلة شرمولا” الأدبية دلشاد مراد يرى في نوروز انعتاقاً من الفكر الضبابي المبهم نحو النور والحقيقة: “إن عيد نوروز والذي يعني “اليوم الجديد”  في ٢١ آذار من كل عام يحتفل به الشعب الكردي  والعديد من شعوب الشرق الأوسط منذ تحررهم من سلطة واستبداد الطغاة ولهذا يرتبط نوروز بمعاني الحرية والإرادة الحرة لدى الشعوب المحتفلة بها.

لقد كانت لنوروز لدى الشعب الكردي خصوصاً أهمية عظيمة فاعتبروها عيداً قومياً وحافظوا على طقوس الاحتفال بها طوال أكثر من ٢٦٣٠ سنة  وذلك على الرغم من اتباع سياسات الإبادة العرقية والثقافية المتبعة بحقهم من قبل القوى التي احتلت مناطق كردستان”.

وأضاف: “حتى في العصر الحديث استذكر القادة السياسيون للكرد يوم نوروز لشحذ هِمم أبناء الشعب الكردي للانتفاض بوجه جلاديهم، فقرروا أن تكون الثورة الكبرى في باكور – شمال كردستان في ٢١ آذار ١٩٢٥ بقيادة الشيخ سعيد بيران ولابد من التذكير بإضرابات الموت في سجن  آمد – ديار بكر في أوائل الثمانينات من القرن العشرين إذ أنهى القيادي الكردي مظلوم دوغان حياته من معتقله في نوروز ١٩٨٢ م لحرية الشعب الكردي.

وفي روج آفا وسوريا كانت أول مظاهرة احتجاجية في عُقر دار النظام البعثي في نوروز ١٩٨٦ والتي قمعتها السلطات الحاكمة في دمشق وقدّم خلالها الشهيد سليمان آدي روحه في سبيل تحصيل حقوق الشعب الكردي في سوريا.

وبهذا لنوروز رمزية مُقدسة لدى الشعب الكردي، ومن خلاله يؤكد هذا الشعب على تمسكه بحريته وإصراره على الحفاظ على تراثه الثقافي والحضاري”.

نوروز انبعاث للخير والخضرة والسلام

أما الفنان التشكيلي عبد الله عبدو فيرى في نوروز راحة للروح والجسد تتجلى في انبعاث الخضرة من الطبيعة: “نوروز هو يوم انتصار النور على الظلام هو السحر الذي لا يُقاوم والذي يُحيي الروح بين طيات رياح الحرية على سندس أخضر يتلاطم فيه المجد والخلود الأزلي، بأرواح عطرة في يوم مقدس مشع بنور الله ملحق  بتراتيل الأنبياء والشهداء والقديسين.”

نوروز ربيع وحياة مُتجددة

الكاتب والشاعر بسام الطعان يرى في نوروز تجدد وانبعاث دائم: “يعتبر عيد نوروز من أجمل الأعياد لدى الشعب الكردي، فله خصوصية ترتبط بالأسطورة التاريخية البطل الكردي كاوا الحداد الذي قاد الثورة ضد الملك الجائر المتسلط الضحاك “دهاق” وهذه الثورة استطاعت أن تقضي على الظلم وتنهي الاستبداد الذي كان يمارسه الملك ومنذ ذلك اليوم أطلق الثائرون اسم  نوروز على يوم الانتصار، ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا يزداد نوروز جمالاً عاماً بعد عام ففي كل ليلة تسبق العيد يتم إشعال النيران على قمم الجبال وحتى في الأماكن العامة، وإشعال النيران هي إشارة إلى حتمية النصر، نصر النور على الظلام، وهي دليل على التحرر وانتزاع الحرية من أيدي الطغاة، وفي الصباح الباكر يبدأ الاحتفال حيث يخرج الشعب إلى أحضان الطبيعة الخلابة يقيم حفلات الرقص ويمارس الفرح على وقع الأهازيج والدبكات”.

نوروز مولد الربيع وبعث الحياة

الكاتب والباحث عبد المجيد قاسم يرى في عيد النوروز حياة متجددة ومولد فجر جديد: “نوروز، بداية السنة الكردية الجديدة والبداية المتجددة لدورة الحياة، هو يوم تحتفي به كل شعوب الأرض إيذاناً بمولد الربيع والحياة الجديدة، وهو يوم يرمز في الأساطير الكردية إلى انتصار الحق وانتهاء الظلم والطغيان. عندما انتصر كاوا الحداد على الضحاك “دهاق” وأوقد شعلة النار في أعلى الجبل، وهكذا فعل مظلوم دوغان في معتقله لكنه أوقدها بجسده ليبقى – على مر الزمن – رمزاً للحرية ومثالاً للفداء والتضحية وصرخة مدوية في وجه الطغيان. واليوم تعود رايات الحرية لتخفق، ويبزغ فجر جديد ويُدحر عدو للإنسانية في زي الضحاك الجديد لكن ألف كاوا يولد فينا كل يوم، وسيشرق في كل يوم فجر جديد وربيع متجدد”.