سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

شاعر قتله الصدق والقصيد

قامشلو/ محمد العبد الله ـ

تهبُّ رياح الصحراء العكرة برمال متنوّعة الجهات، على مضارب القوم؛ فتولد قصص وحكايات، بتنوع رياح الصحراء الممتدة في الجزيرة العربية، وهناك بين المضارب أميرٌ قد حاز جاهًا ورفعة بين قومه، وكانت عنده ابنة اسمها “دعد” فائقة الجمال، والصِّيت، مثقفة وشاعرة، فتنتقي أجود الألفاظ، وأعذبها في الشعر والكلام، حتى فُتن بها سكان الصحراء والحضر، وحينما أراد أبوها تزويجها، تقدم لها كل من حلَّ وارتحل، لكنها وضعت شرطا لذلك، أن يُقال في وصفها شعرٌ لم يقل بعدُ، حتى بلغ الخبرُ شاعراً من نجد اسمه دوقلة المنبجي، وهو شاعر مجهول، لكن لفظه حسن، وغزله مثير، فألَّف قصيدة طويلة سُمِّيت “اليتيمة”، وحين انتهى منها؛ شدَّ الرحال نحو أمير نجد، وسار فجرًا للقاء به، حتى يُلقي قصيدته على أسماع دعد، والأمير، وهو في طريق الحبِّ الحثيث، لقيه إعرابي من سكان الصحراء؛ فسأله عن وجهته، فقال أريد ابنة الأمير خاطبا، فسأله الإعرابي، أوَ تعرف شرط خطبتها؟! أجاب دوقلة: نعم! فوضع الإعرابي كل يمين محرجة، أن يسمعه ما قال في دعد. فقال قصيدته العصماء في حب دعد، فأُعجب بها الإعرابي أيَّما إعجاب، فظلّ الإعرابي يطلب من دوقة تكراراها حتى حفظها، وفي ليلة ظلماء، وهما في الصحراء، قتل الإعرابي دوقلة، وقصد دعداً والأمير، ليقرأ عليهما القصيدة الغزلية، وحين سمعتها دعد؛ أعجبت بها كل الإعجاب، لكنها عند وصول الإعرابي إلى هذا البيت:
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني
أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
تشاغل ذهنُ دعد، ولم يغب عن بالها، أن الرجل ليس من تهامة، ولا من نجد، ولا شيء في لهجته يدل على ذلك، ثم أرادت أن تمتحنه أكثر فقالت له: زدني أيها الشاعر بيتا واحدا، فقد رأيت فيك الغزل اللطيف، فعيَّ الرجل، وعجز عن أن يأتيها ببيت جميل على نمط القصيدة، فقالت لحراسها: قيَّدوا هذا المدّعي الكذّاب، فإنه قتل صاحب القصيدة، ومبدعها، وسرقها، ولو جاءني صاحبها حيا لقبلت به زوجاً، فتعجَّب والدها الأمير من ذكائها، وحسن معرفتها بالأشعار، وظلت حزينة طوال حياتها على دوقلة، وقد سمّيت القصيدة “اليتيمة”، لأن الشاعر دوقلة لم يقل غيرها، وقيل، إنها لا شبيه لها في الشعر العربي من الحسن وقوة السبك، وأداء المعاني وسلامة الوصف وسلاسة صوغها. وقد كان سحر الكلام، وبلاغة التصوير، والغزل، أسباب مقتل رجلين، كانا قد غُرما بامرأة واحدة، فيما يبقى سرُّ الحبِّ، وميزانه في القلوب، وفي العميق من النفوس.
وهذه بعض من أبيات القصيدة، التي قالها دوقلة في حبِّ دعد:
ﻫــﻞ ﺑﺎﻟﻄـﻠﻮﻝ ﻟـﺴـﺎﺋـﻞٍ ﺭﺩُّ
ﺃﻡ ﻫــﻞ ﻟـﻬـﺎ ﺑﺘﻜـﻠّـﻢٍ ﻋـﻬـﺪُ
ﻣﻦ ﻃﻮﻝ ﻣﺎ ﺗﺒﻜﻲ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﻋﻠﻰ
ﻋَﺮَﺻﺎﺗِـﻬـﺎ ﻭ ﻳﻘﻬـﻘـﻪ ﺍﻟـﺮﻋــﺪُ
ﺗـﻠـﻘــﺎﺀَ ﺷـﺎﻣــﻴــﺔٍ ﻳـﻤـﺎﻧـﻴــﺔ
ﻟـﻬـﺎ ﺑـﻤــﻮﺭِ ﺗُـﺮﺍﺑـﻬـﺎ ﺳَـــﺮﺩُ
ﻓﻜـﺴـﺖ ﺑﻮﺍﻃﻨـﻬـﺎ ﻇﻮﺍﻫـﺮﻫـﺎ
ﺇﻻ ﺍﻟـﻤـﻬــﺎ ﻭﻧـﻘـﺎﻧــﻖ ﺭُﺑــــﺪ
ﻓﺘﺒـﺎﺩﺭﺕ ﺩﺭﺭ ﺍﻟﺸـﺆﻭﻥ ﻋﻠـﻰ
ﺧــﺪّﻱ ﻛـﻤــﺎ ﻳﺘـﻨـﺎﺛـﺮ ﺍﻟـﻌـﻘـﺪ
ﻟﻬﻔﻲ ﻋﻠﻰ ‏(ﺩﻋﺪ) ﻭ ﻣﺎ ﺧﻠﻘﺖ
ﺇﻻ ﻟــﻔــﺮﻁ ﺗـﻠـﻬـﻔـﻲ ﺩﻋـــــﺪُ
ﺑﻴﻀـﺎﺀ ﻗـﺪ ﻟﺒـﺲ ﺍﻷﺩﻳـﻢ ﺑـﻬـﺎﺀ
ﺍﻟﺤﺴُﻦ ﻓﻬـﻮ ﻟﺠِﻠﺪﻫـﺎ ﺟِﻠـﺪ
ﻭﻳﺰﻳـﻦُ ﻓﻮﺩﻳـﻬـﺎ ﺇﺫﺍ ﺣـﺴـﺮﺕ
ﺿـﺎﻓـﻲ ﺍﻟﻐـﺪﺍﺋـﺮ ﻓـﺎﺣـﻢٌ ﺟَـﻌـﺪ
ﻓﺎﻟﻮﺟـﻪ ﻣﺜـﻞ ﺍﻟﺼﺒـﺢ ﻣُﺒﻴـﺾٌّ
ﻭﺍﻟﺸﻌـﺮ ﻣـﺜـﻞ ﺍﻟﻠـﻴـﻞ ﻣـﺴـﻮﺩُّ
ﺿـﺪّﺍﻥِ ﻟﻤـﺎ ﺍﺳﺘﺠﻤـﻌـﺎ ﺣﺴُـﻨـﺎ
ﻭﺍﻟﻀـﺪُّ ﻳﻈﻬـﺮ ﺣُﺴﻨـﻪ ﺍﻟـﻀـﺪُ
ﻓﻜﺄﻧـﻬـﺎ ﻭﺳـﻨَـﺎﻥُ ﺇﺫﺍ ﻧـﻈــﺮَﺕْ
ﺃﻭ ﻣـﺪﻧـﻒ ﻟـﻤَّــﺎ ﻳُـﻔِــﻖ ﺑـﻌــﺪ
ﺑﻔﺘـﻮﺭ ﻋﻴـﻦٍ ﻣـﺎ ﺑﻬـﺎ ﺭﻣَـﺪٌ
ﻭﺑﻬـﺎ ﺗُـﺪﺍﻭﻯ ﺍﻷﻋﻴـﻦ ﺍﻟـﺮﻣـﺪ
ﻭﻟـﻬـﺎ ﺑـﻨـﺎﻥ ﻟـــﻮ ﺃﺭﺩﺕ ﻟـــﻪ
ﻋـﻘـﺪﺍً ﺑﻜـﻔـﻚ ﺃﻣـﻜــﻦ ﺍﻟـﻌـﻘـﺪ
ﻭﻛـﺄﻧـﻤـﺎ ﺳـﻘـﻴــﺖ ﺗـﺮﺍﺋـﺒـﻬـﺎ
ﻭﺍﻟﻨﺤﺮ ﻣـﺎﺀ ﺍﻟـﻮﺭﺩ ﺇﺫ ﺗﺒـﺪﻭ
ﻭﺑﺨـﺼـﺮﻫـﺎ ﻫـﻴــﻒ ﻳـﺰﻳـﻨــﻪ
ﻓـــﺈﺫﺍ ﺗـﻨــﻮﺀ ﻳــﻜــﺎﺩ ﻳـﻨـﻘــﺪ
ﻓﻘﻴﺎﻣـﻬـﺎ ﻣﺜـﻨـﻰً ﺇﺫﺍ ﻧـﻬـﻀـﺖ
ﻣــﻦ ﺛﻘـﻠـﻪ ﻭﻗﻌـﻮﺩﻫـﺎ ﻓــﺮﺩ
ﻭﺍﻟﻜـﻌـﺐ ﺃﺩﺭﻡ ﻻ ﻳـﺒـﻴـﻦ ﻟـــﻪ
ﺣـﺠـﻢ ﻭﻟـﻴـﺲ ﻟـﺮﺃﺳـﻪ ﺣـــﺪّ
ﻣــﺎ ﻋﺎﺑـﻬـﺎ ﻃــﻮﻝ ﻭﻻ ﻗِـﺼَـﺮ
ﻓـﻲ ﺧﻠﻘﻬـﺎ ﻓﻘﻮﺍﻣـﻬـﺎ ﻗـﺼـﺪ
ﺇﻥ ﻟـﻢ ﻳﻜـﻦ ﻭﺻـﻞ ﻟﺪﻳـﻚ ﻟـﻨـﺎ
ﻳﺸﻔﻲ ﺍﻟﺼﺒﺎﺑﺔ ﻓﻠﻴﻜـﻦ ﻭﻋْـﺪ
ﻟﻠﻪ ﺃﺷــﻮﺍﻗـــﻲ ﺇﺫﺍ ﻧـــﺰﺣَـــﺖْ
ﺩﺍﺭٌ ﻟـﻜـﻢ ﻭﻧــﺄﻯ ﺑـﻜـﻢ ﺑُـﻌـﺪُ
ﺇﻥ ﺗُﺘْﻬـﻤـﻲ ﻓﺘﻬـﺎﻣـﺔٌ ﻭﻃـﻨــﻲ
ﺃﻭ ﺗُﻨْﺠـﺪﻱ ﺇﻥَّ ﺍﻟﻬـﻮﻯ ﻧَﺠْـﺪُ
ﻭﺯﻋﻤـﺖ ﺃﻧـﻚ ﺗُﻀْﻤﺮﻳـﻦ ﻟـﻨـﺎ
ﻭُﺩّﺍً ﻓـﻬــﻼّ ﻳـﻨـﻔـﻊ ﺍﻟــــﻮﺩ
ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻟﻤﺤﺐ ﺷﻜﺎ ﺍﻟﺼﺪﻭﺩَ ﻭﻟـﻢ
ﻳُﻌْـﻄَـﻒ ﻋﻠـﻴـﻪ ﻓﻘﺘـﻠُـﻪ ﻋَـﻤْــﺪُ
ﺃﻭ ﻣـﺎ ﺗـﺮﻯ ﻃـﻤـﺮﻱَّ ﺑﻴﻨﻬـﻤـﺎ
ﺭﺟـــﻞ ﺃﻟـــﺢّ ﺑـﻬـﺰﻟـﻪ ﺍﻟـﺠــﺪ
ﻭﻟـﻘـﺪ ﻋﻠـﻤـﺖُ ﺑﺄﻧـﻨـﻲ ﺭﺟـــﻞٌ
ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺎﺕِ ﺃﺭﻭﺡُ ﺃﻭ ﺃﻏـﺪﻭ
ﻣﺘﺠﻠﺒـﺐ ﺛـﻮﺏ ﺍﻟﻌـﻔـﺎﻑ ﻭﻗــﺪ
ﻏﻔـﻞ ﺍﻟﺮﻗﻴـﺐ ﻭﺃﻣﻜـﻦ ﺍﻟــﻮِﺭﺩُ
ﻭﻣﺠﺎﻧـﺐٌ ﻓﻌـﻞ ﺍﻟﻘﺒﻴـﺢ ﻭﻗــﺪ
ﻭﺻﻞ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻭﺳﺎﻋﺪ ﺍﻟﺴﻌﺪ
ﺁﻟـﻴـﺖ ﺃﻣـــﺪﺡ ﻣُـﻘـﺮِﻓـﺎً ﺃﺑـــﺪﺍً
ﻳﺒﻘـﻰ ﺍﻟﻤـﺪﻳـﺢ ﻭﻳﻨـﻔـﺪ ﺍﻟـﺮﻓـﺪُ
ﻫﻴﻬﺎﺕ ﻳﺄﺑﻰ ﺫﺍﻙ ﻟـﻲ ﺳﻠـﻒٌ
ﺧﻤـﺪﻭﺍ ﻭﻟـﻢ ﻳﺨﻤـﺪ ﻟﻬـﻢ ﻣـﺠـﺪ
ﻓﻠﺌـﻦ ﻗﻔـﻮﺕ ﺟﻤـﻴـﻞ ﻓﻌﻠﻬـﻤـﻮ
ﺑﺬﻣﻴـﻢِ ﻓﻌﻠـﻲ ﺇﻧﻨـﻲ ﻭﻏــﺪُ
ﺃﺟﻤـﻞ ﺇﺫﺍ ﺣﺎﻭﻟـﺖ ﻓــﻲ ﻃـﻠـﺐٍ
ﻟﻴﻜـﻦ ﻟﺪﻳـﻚِ ﻟﺴـﺎﺋـﻞٍ ﻓـَـﺮَﺝٌ
ﺃﻭ ﻟـﻢ ﻳﻜـﻦ.. ﻓﻠﻴﺤـﺴـﻦ ﺍﻟــﺮﺩُّ.