نساء كري سبي/ تل أبيض: “أشرقت علينا شمس الحرية بعد تحريرنا”

تقرير/ سلافا أحمد –

---

مقاطعة تل أبيض/ كري سبي من إحدى معاقل المرتزقة، ومكان لخلقِ الفساد واستعباد المرأة على وجهِ الخصوص واستغلالها مِن قِبل مرتزقة داعش، إلى مثال لتحرّر المرأة ومنبراً لأخوّة الشعوب.

المرأة التي كانت تعتبر الضلع الناقص في المجتمع وآلة لجلب الأطفال وتربيتهم والاهتمام بالمنزل فقط، تمكنت بعد تحرير تل أبيض/ كري سبي؛ من التعرف على نفسها وحقوقها من خلال تلقي دورات التوعية والمحاضرات والاجتماعات الذي كان يعقدها مؤتمر ستار، والتمكن من كسر قوقعة التخلف التي كانت مسجونة فيه منذ عقود، واستطاعت دحر أكبر مجموعة ارتزاق في العالم من مقاطعتها، بالإضافة إلى إدارة مدينتها بنفسها ولعب دورها في تطوريها، والعمل على حماية وتحرير مدينتها من المرتزقة.

تقع مقاطعة تل أبيض/ كري سبي على الحدود التركية 100كم شمال مدينة الرقة، وتتبع إدارياً لها، كما تعتبر جزءٌ لا يتجزأ من روج آفا، الجزء المقتطع من الدولة السورية نتيجة اتفاقية سايكس بيكو.

تعيش الشعوب فيها من كرد وعرب وأرمن وتركمان حياةً تشاركية منذ الأزل، ويتجاوز عدد سكانها أكثر من 300 ألف نسمة، ويشكل الكرد أكثر من 35 % من عدد سكانها، أي ما يقارب 100 ألف نسمة، وتقع القرى الكردية اعتباراً من تل أبيض/ كري سبي المركز، وغرباً حتى الحدود الإدارية لحلب، ويبلغ عددها أكثر من 100 قرية، وهناك قرى تقع جنوب الطريق الدولي حلب – الحسكة، ومعظم هذه القرى متواصلة جغرافياً باستثناء بعضها التي تم استحداثها من قبل النظام البعثي بعد عام 1963م.

تهجير قسري بحق الأهالي

بعد سيطرة فصائل المرتزقة المتمثلة بجبهة النصرة ومرتزقة داعش على  تل أبيض / كري سبي في 13 آذار عام 2013م، الذين نهبوا الممتلكات الخاصة والعامة للأهالي، وفرضوا قوانينهم اللاإنسانية على الأهالي القاطنين في المدنية، وزرع الخوف والعنصرية والفتنة والفساد بين الشعب، وبخاصةٍ من قبل مرتزقة داعش، أدى ذلك إلى التهجير القسري بحق أهالي المدينة وريفها، مما فتح الباب أمام تلك العناصر للتوغل في الأراضي السورية والاستيلاء عليها وفرض حصارٍ خانق على الأهالي بحجة دين الإسلام الذي هو منهم براء، كما فرضوا الضريبة وحبسوا النساء في بيوتهن، واستولوا على الأموال الخاصة والعامة، وقاموا بتصديرها لدولة الاحتلال التركي التي كانت تدعمهم بكل الوسائل لنشر الإرهاب في سوريا، وتوسيع نفوذها في المنطقة، وممارسة أشد العقوبات بحق الأهالي وتعذيبهم بكل الوسائل النفسية والجسدية، حتى وصل بهم الأمر إلى قطع رؤوس الأهالي، بالإضافة إلى قطع أجزاء من أجسادهم إذا تم مخالفة أوامرهم.

وبعد تحرير مدينة كوباني من مرتزقة داعش بتاريخ 26 كانون الثاني عام 2015م، كان من الضرورة تحرير كري سبي/ تل أبيض، وربط الجزيرة وكوباني ببعضهما وفتح ممر بينهما من أجل كسر الحصار المفروض على كوباني.

بتاريخ 6 أيار عام 2015م، أطلقت وحدات حماية الشعب حملة لتحرير الريف الغربي لإقليم الجزيرة، فيما تقدمت وحدات حماية الشعب في الجبهة الشرقية لمقاطعة كوباني.

 وبعد تحرير قرى ريف إقليم الجزيرة وتحرير جبل كزوان وبلدة مبروكة؛ تقدمت الحملة بخطى متسارعة نحو مدينة تل أبيض/ كري سبي.

وبتاريخ 14 حزيران عام 2015م تمكنت وحدات حماية الشعب من تحرير بلدة سلوك الاستراتيجية آخر معاقل مرتزقة داعش قبل تل أبيض/ كري سبي، لتبدأ مرحلة محاصرة تل أبيض/ كري سبي، من قبل وحدات حماية الشعب في الجزيرة وكوباني.

 وبتاريخ 15 حزيران عام 2015م، أعلنت وحدات حماية الشعب تحرير المقاطعة بشكلٍ كامل من مرتزقة داعش.

المرأة قبل وبعد التحرير من المرتزقة

تحررت مقاطعة تل أبيض/ كري سبي في 15 حزيران من عام 2015م، من قبل وحدات حماية الشعب والمرأة وغرفة عمليات بركان الفرات من رجس مرتزقة داعش، فكان يوم التحرير بالنسبة للأهالي يوم طلوع الشمس بعد الظلام الذي عاشوه إبّان حقبة مرتزقة داعش، حيث تحررت الإنسانية وكانوا بانتظار هذا اليوم بفارغ الصبر لتخليصهم من الذهنية الداعشية الذي فرضت عليهم، وبدأت الحياة تعود للمنطقة شيئاً فشيئاً، وخاصةً للنساء اللواتي عانين الأكثر من ظلام وفاشية مرتزقة داعش، والذين عملوا على حصر المرأة  في قوقعة المنزل والزواج تحت راية الإسلام الذي كان يدعيه المرتزقة.

لقد كان لنساء المنطقة الحصة الأكبر من تذوق معاناة مرتزقة داعش، واللواتي كن يضطررن للتخفي تحت سترات سوداء خوفاً من بطش المرتزقة.

لم تتمكن المرأة من الخروج من خارج قوقعة منزلها وممارسة مهنتها ودراستها، لأنها إن خرجت وعملت ودرست ستكون مرتدة في نظر المرتزقة، وكان يفرض عليها عقوبات كالجلد والرجم والقتل، لذا كان الحل الوحيد لدى المرأة لحماية نفسها من رجس المرتزقة هو البقاء في منزلها منتظرةً معجزة تحررهم من الظلام الذي حل بهم من قبل مرتزقة داعش.

المرأة وإدارتها لنفسها بعد التحرير

بعد الإعلان عن الإدارة الذاتية في تل أبيض/ كري سبي في 21 تشرين الأول عام 2015م؛ بادر الأهالي بإدارة أعمال مدينتهم بأنفسهم من جميع النواحي التنظيمية والاقتصادية والخدمية والتعليمية، وشؤون المرأة.

وقد اتخذت المرأة مكانها إلى جانب الرجل في إدارة مدينتها وتطوريها في كافة المجالات الحياتية والاجتماعية والسياسية، بحيث تشكل مشاركة المرأة حالياً ضمن مؤسسات ومراكز الإدارة الذاتية في مقاطعة تل أبيض/ كري سبي بنسبة 70%.

وذلك بعد وأد الفتنة والفساد التي تم زرعها من قبل مرتزقة داعش بين شعوب تل أبيض/ كري سبي، وتم إحياء الحياة المشتركة وأخوّة الشعوب من جديد بين أبناء المنطقة والتعايش المشترك لتكن مثالاً لشمال وشرق سوريا عامةً.

الناحية التنظيمية للمرأة في المقاطعة

بعد التحرير بادر مؤتمر ستار “اتحاد ستار” سابقاً، بالتنسيق مع الإدارة المدنية في المقاطعة بحملات توعية بين النساء والأهالي من خلال زيارة النساء في بيوتهن وإلقاء المحاضرات وعقد الاجتماعات لهن، إضافةً لإخضاع العديد من النساء لدورات تدريبية، وفتح مجال العمل أمامهن وتوفير فرص العمل لهن، كما ولعبت المرأة دوراً هاماً في الكومينات من خلال مهام الرئاسة المشتركة واللجان المُشكلة ضمنها.

ريادتها في الحماية المجتمعية

كان لا بد بعد دحر المرتزقة من المقاطعة من تأسيس قوات الأسايش والترافيك والحماية الجوهرية من أجل المحافظة على الأمن، وكان للمرأة دورٌ بارزٌ على مختلف الأصعدة في هذه القوات، وساهمت وحدات حماية المرأة والشعب في حماية المدينة من الهجمات الخارجية، وكان للمرأة دوراً بارزاً في تنظيم وحماية مدينتها، والانتساب لهذه القوات.

نجحت المعلمات في مهامهن

لقد كانت المرأة الأكثر حرماناً من التعليم والدراسة في مدينة تل أبيض/ كري سبي، وبعد الحرمان من الدراسة بشكلٍ قطعي لثلاثة أعوام وستة أشهر تقريباً، بادرت لجنة التربية والتعليم في المدينة بكادر مؤلف من سبعة معلمين/ات، حيث أغلبهم كن معلمات بفتح المدارس بشكلٍ إسعافي بدايةً، وإرسال المدرسات والمدرسين إلى دورة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر، ومن ثم بادرت بافتتاح المدارس في 18 أيلول لعام 2015م، والبدء باستقبال الطلاب بأعداد قليلة، وبعدها ارتفع عدد الطلبة ليصل مؤخراً إلى 37000 طالب في المقاطعة، في 450 مدرسة، وبلغ عدد المعلمات في المقاطعة 1300 معلمة، وكان هدفهم إعادة البنية السليمة لعقول الأطفال، ومسح ملامح الخوف والآثار النفسية عنهم والتي نجمت عن احتلال المرتزقة للمقاطعة،  بالإضافة لزرع المحبة والسلام والاطمئنان في قلوبهم، وبالفعل نجحت المعلمات في مهامهن.

ومع مرور الذكرى السنوية الرابعة لتحرير مقاطعة تل أبيض/ كري سبي من رجس مرتزقة داعش من قبل وحدات حماية المرأة والشعب، قامت صحيفتنا بجولة في المدينة ومؤسساتها للاستماع لآراء النساء حول التغيرات التي حصلت للمرأة بعد تحريرها من رجس المرتزقة.

إشراقة نور الحرية بعد ظلام طويل

وفي هذا السياق حدثتنا الإدارية في مؤتمر ستار في مقاطعة تل أبيض/ كري سبي ديلان حسن قائلةً: “نبارك الذكرى السنوية الرابعة لتحرير مدينة كري سبي/ تل أبيض على عوائل الشهداء كافةً الذين ضحوا بفلذات أكبادهم من أجل حرية وكرامة وطنهم”.

مواصلةً بالقول: “لقد كان يوم 15 حزيران عام 2015م، يوماً لا يوصف بالكلمات، فكان بالنسبة لنا يوم إشراقة الشمس بعد ظلام طويل”.

وأشارت ديلان بأنه بالفعل تمكنت المرأة بإثبات نفسها ولعب دورها في المجتمع بشكلٍ ريادي، ونوهت قائلةً: “لقد عملنا جاهدين لتحرير المرأة من قوقعة العبودية التي حصرتها المرتزقة فيها بعد التحرير، وبعد العمل الدؤوب والمستمر تمكنا من تحرير نسبة كبيرة من النساء من قوقعة العبودية والمنزل، وبالفعل تمكنت المرأة من خلال حملات التوعية التي أطلقنها من معرفة نفسها وإدراك وحقوقها وواجبتها، ولعب دورها الأساسي في المجتمع، ولكن لازال هناك العديد من النساء مسجونات خلف الذهنية الذكورية ونسعى لتحريرهن كلهن”.

وبدورها هنئت العضوة في مكتب المرأة ولاء محمد الذكرى الرابعة لتحرير مدينة تل أبيض/ كري سبي على كافة نساء العالم، وقالت: “يوم 15 حزيران عام 2015م، كان بالنسبة لنا يوم طلوع الفجر بعد ظلام دامس خيم علينا، وكنا بانتظار معجزة تحل علينا وتحررنا من الظلم والسواد الذي حل علينا من قبل المرتزقة”.

مضيفةً بالقول: “بالفعل تمكنت قواتنا ومن بعدها الإدارة المدنية ومؤتمر ستار أن يخرجوننا من ذلك المستنقع الذي حصرنا به، وبالفعل تمكنا بمساندتهم من معرفة أنفسنا وحقوقنا الحقيقة وممارسة حياتنا الطبيعية بكل حرية في مجتمعنا”.