نحو كونفدرالية مشرق المتوسط الديمقراطي

محمد أرسلان –

من هنا بمقدورنا القول إن حالة الفوضى التي تمر بها المنطقة سوف تستمر عدة سنوات أخرى حتى يتم إعادة تشكيلها من جديد وفق مصالح وأجندات القوى المهيمنة من جهة، ومصالح الشعوب التواقة للكرامة والحرية من جهة أخرى، قرنٌ مضى على تناحر الدول التي تشكلت وفق تطورات الحربين العالميتين وكذلك حسب توازنات القوى المنتصرة فيها.

وكان القرن العشرين قرناً تصارعت فيه القوى المنتصرة لفرض هيمنتها ولتكون القطب الواحد على حساب تحجيم أو إسقاط الندّ، الذي لطالما حاول أن يكون الغريم ويبسط نفوذه على بعض الجغرافيا، فشلت محاولات القطب الروسي في أن يكون الجبهة الأخرى الناطقة باسم الجماهير المضطهدة والذي حمل لواء الاشتراكية، التشبث بمنطق الدولة للوصول للعدالة الاجتماعية كان من أهم الأسباب التي أطاحت بما سمي بالدكتاتورية البروليتارية، والتي أصبحت مسنن في آلة الحداثة الرأسمالية الليبرالية وراحت تبكي على أطلال الرأسمال المالي العالمي.

تحاول الآن روسيا أن تستعيد دورها الذي فقدت السيطرة عليه ثانية ضمن هذه الفوضى المنتشرة في المنطقة، باعتمادها على منطق القوة الفظة وحمايتها للنظم القوموية تحت حجة حماية السيادة الوطنية للدولة، مع العلم وأننا في القرن الحادي والعشرين تجاوزت التطورات المعلوماتية التكنولوجية مفهوم السيادة الوطنية والقومية للدولة. وحتى أن مفهوم المواطنة بحد ذاته يبحث علماء الاجتماع له عن تعريف جديد يواكب التطورات الجارية المتسارعة، وكذلك مصطلح المواطن بحد ذاته بات بحاجة لتعريف جديد والكثير من المصطلحات الأخرى التي استخدمناها في القرن الماضي.

الفوضى السياسية التي تضرب المنطقة برمتها أثرت بشكل كبير على دول مشرق المتوسط من العراق وسوريا ولبنان، وحالة الحصار الخانقة الآن على إيران، كل ذلك يحتم علينا البحث مجدداً أو إعادة دراسة الكثير من مصطلحات وتعريفات القرن العشرين، وهذا ما سيكون له التأثير الكبير على تشكل المنطقة من جديد من حيث الشكل وكذلك التشكيل المتعارف عليه. ربما يكون توصيف مستقبل المنطقة بشكلها الجديد بحاجة لكثير من العمل من قِبل علماء الاجتماع وكذلك المثقفين، ولربما تكون الخطوة الأولى تبدأ من تجاوز الحدود السياسية عقلياً ومنطقياً قبل تجاوزها على أرض الواقع، مصطلح “كونفدرالية مشرق المتوسط الديمقراطي”، قد يكون الأكثر تداولاً خلال هذين العقدين على الأقل وكذلك القرن الحاضر على الأقل.

محاولات الوحدة بين الدول العربية التي ولدت ميتة كانت محاولة رد فعل لما كان يُحاك من مؤامرات حولها، إلا أنها لم تستمر إلا سنوات في مثال مصر – سوريا، أما باقي الدول التي حاولت التغني بمشاريع الوحدة إن كانت العراق أو ليبيا وكذلك الأردن لم يُكتب لها النجاح في أولى خطواتها الأولى. وبقي مشروع الوحدة ما بين دول المنطقة يدغدغ أحلام شعوب المنطقة أكثر من الدول بحدِ ذاتها، قائماً في البيانات والاجتماعات ليس إلا. وللخروج من هذه الدوامة التي أدخلونا فيها إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا أنها باتت واقعاً تعايشنا معه وكأنه قدرٌ ليس لنا أية حيلة في تغييره، لكن حالة الفوضى التي نعيشها وبالرغم من أنها أثرت بشكل سلبي على كل مجريات الحياة ونواحيها، إلا أنها تحمل في طياتها عوامل القوة والتماسك بحد ذاته إن عملنا على صياغة مستقبلنا بأنفسنا على الأقل بالرغم من كافة التدخلات الخارجية.

كونفدرالية مشرق المتوسط الديمقراطي مصطلح جديد يمكن النقاش عليه كحلم يراودنا على أساس تشكيل المستقبل الذي سنبنيه، ويكون الجواب المناسب لكل الضحايا الذين سقطوا قرابين في محاولات تغيير الأنظمة، وكذلك سيكون الرد المناسب للأنظمة الاستبدادية القوموية المستميتة للحفاظ على سلطتها المهزوزة، الكونفدرالية ربما تكون الشكل الأنسب للنظام الإداري لعموم المنطقة وإبعادها من الجحيم والاقتتال الذي يعمل عليه سماسرة شركات الأسلحة العابرة للحدود، التي لا همَّ لها سوى الربح الأعظمي على حساب المجتمعات والشعوب والدول.