الشهباء/ فريدة عمر ـ
فاطمة بركو البالغة من العمر 75 عاماً، مُهجّرة من عفرين تقطن حالياً في مخيم سردم بمقاطعة الشهباء، تروي تفاصيل أيام الحرب، فحالها حال الآلاف من أهالي عفرين الذي هُجِّروا قسراً من ديارهم صوب مخيمات النزوح إيماناً منهم بالإصرار والعودة إلى أرضهم.
أحداث مؤثرة مازالت تتردد صداها، حزن وغضب مشاعر تمازجت وباتت تفاصيلها واضحة في عين كل مُهجّر عفريني، وكافية لتروي ثماني وخمسين يوماً من المقاومة البطولية.
“العشرات من الطائرات في السماء”
حول اليوم الأول من بدء الحرب والقصف على المنطقة قالت فاطمة بركو: “كنا في منزلنا في قرية جلمة بناحية جنديرس، في عصر يوم العشرين من كانون الثاني حينها سمعنا أصوات قوية، وإذ بالعشرات من الطائرات تحوم في السماء، واستهدفت العديد من المناطق في قريتنا، حتى صباح اليوم الثاني لم تتوقف الأصوات”.
وتابعت: “لشدة القصف الهمجي اضطررنا إلى ترك قريتنا وتوجهنا إلى مركز الناحية، يوم لا أستطيع وصفه حين دخولنا إلى الناحية، كل شيء بات مُرعباً وكأن رائحة الدماء والموت تفوح من كل مكان، تعب وجوع أنهكنا وأنهك أطفالنا الصغار، كان همنا الوحيد أن نخفف عن أطفالنا الصغار خوفهم قليلاً ونحميهم، تخبأنا في قبو بناحية جنديرس أملاً من أن يخف القصف قليلاً لنعود إلى بيتنا وقريتنا، وكانت تتهاطل علينا شظايا الصواريخ وقطع الزجاج المتكسر من شدة القصف، خبأت حفيدي بين ذراعي خوفاً من أن تصيبه أي شظية تخترق النافذة، وحتى الصباح بقينا هكذا”.
“اضطررنا الخروج من الناحية”
استكملت فاطمة: “زوجة ابني كانت على وشك الولادة، ووضعي الصحي أيضاً لم يكون جيداً اضطررنا للذهاب إلى مركز مدينة عفرين، يوم من أيام الشتاء الماطرة رفعت يدي نحو السماء دعوت الله أن يبعث الخير ويطفأ نار الحرب ونعود إلى أحضان قريتنا”.
وأضافت: “بقينا حوالي أربعين يوماً في مركز المدينة من ثم توجهنا إلى قرية غزوية، وبقينا أسبوع كاملاً عند عائلة زوجة ابني، وذات مساء سمعنا صوتاً قوياً وإذ بالطائرة ضربت تلاً في القرية، صرخ صاحب البيت قائلاً زكريا استشهد/ زكريا أخ زوجة ابني والذي خرج كغيره من شبان عفرين ليدافع عن أرضه، قلت له محاولةً تهدئته لا نعلم قد يكون غير متواجداً هناك ولم يصبه مكروه، صرخ وقال إنه هناك وأحس به وهو مستشهد، ومع الأسف بالفعل كان إحساس والد زكريا بمحله”.
“أرواحنا هناك”
بتنهيدةً عميقة وعيون يملأها الدمع قالت فاطمة: “آه، خرجنا جسداً فقط، أرواحنا بقيت متشبثة في زوايا المنزل رفضت أن تترك البيت الذي وضعنا كل حجر فيه من عرق جبيننا، وكل حجر فيه شاهد على ما عشناه”.
“بقينا ستة عشر أيام في قرية برادافي ناحية شيراوا أيضاً، كلما كنا نلتفت إلى الوراء كانت تتقطع قلوبنا، حتى شجر الزيتون كان حزيناً، انغمست جذورها بدماء الآلاف من الأبطال الذين فدوا بأرواحهم من أجل تراب عفرين”.
“العالم أجمع كان صامتاً حينها”
وواصلت فاطمة: “أي دين وأي وجدان وضمير يقبل هذا، لم يسلم أحد من جرائم الاحتلال التركي، نهب ودمر مدينتنا الجميلة، مدينة الزيتون والسلام، المنظمات التي تدّعي أنفسها بحقوق الإنسان والأطفال أين كانت؟ كلهم أصابهم الصم والبكم حينها، لأنهم لا يخدمون سوى مصالحهم الشخصية على حساب هذا الشعب والأطفال”.
“مخيمات تأوي آلامنا وتشهد على مقاومتنا”
ومضت فاطمة في حديثها: “الثامن عشر من شهر آذار، تاريخ لا ننساه، تفاصيل لا يمكن محوها كل شيء في مدينة عفرين بات حزيناً، الجبال والأنهار، وأشجار الزيتون التي فارقتها يد صاحبها الذي زرعها، والآن تُقطع وتُحرق بلا رحمة من قبل هؤلاء الوحوش الذين لا يمتّون للرحمة والإنسانية بشيء، حتى الربيع هذا العام لم يأتِ كعادته، ولم تتلون أطراف الضفاف والأنهار وطبيعة عفرين بألوانها، حتى الربيع يبدو أنه خجل أن يأتي كما العادة هذه المرة”.
واستكملت فاطمة بركو: “اتجهنا صوب مقاطعة الشهباء، المقاطعة التي كانت متحررة من داعش منذ عدة أشهر فقط، وحينما نقول داعش هذا يعني أنه لا شيء في هذه المقاطعة كان حي، اتخذنا من البيوت شبه المدمرة والمخيمات مسكناً لنا”.
واختتمت فاطمة بركو: “هذه المخيمات تأوي آلامنا وتشهد على مقاومتنا، رغم كل الصعوبات التي تواجهنا من حر الصيف وبرد الشتاء القارس، والحصار المفروض علينا من كل الجهات، إضافة إلى القصف التركي المتكرر الذي يستهدف منطقتنا لينال من عزيمتنا ومقاومتنا، إلا أننا شعب يعشق الحرية ويؤمن بها، سنبقى صامدين ونعود إلى ديارنا وأرضنا”.
الآلاف من مهجري عفرين يقطنون في مخيمات النزوح، وكل واحد منهم قصة ومثال حي على المقاومة كما الأم فاطمة.
