سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من قمة سوتشي الأولى إلى الأخيرة.. مؤامرات ومخططات تستهدف المشروع الديمقراطي لشعوب شمال وشرق سوريا

رفيق إبراهيم

قمم ومؤتمرات كثيرة عقدت بالشأن السوري، فبعد جنيف وآستانا، أرادت روسيا تحويل المسار السياسي الأممي لحل الأزمة السورية في جنيف، إلى وجهة جديدة تكون هي الآمر الناهي فيها، على الرغم من مشاركتها في مؤتمر آستانا، الذي ضم تركيا وإيران أيضاً، فكانت الوجهة سوتشي الروسية، التي أنتجت احتلال الدولة التركية عدداً من المدن السورية، كإعزاز، والباب، وعفرين، وسري كانيه، وكري سبي.
قلب الطاولة على المجتمع الدولي بعقد مؤتمر سوتشي
 
موسكو أرادت إحداث مؤتمر في سوتشي الروسية؛ لقلب الطاولة على المؤتمرات التي عُقدت، ولازالت مستمرة بالانعقاد لمناقشة الشأن السوري، وخاصة أن نتائج مؤتمر جنيف الأول، لم تكن تصب في مصلحة الحكومة السورية، وموسكو، التي ترعاها وتقدم أنواع الدعم كافة لها.
ودولة الاحتلال التركي، وتملصها من تنفيذ بنود اتفاق سوتشي الأولى، وقبل الانتخابات المنتظرة في تركيا العام القادم، أروغان وبسياسته الفاشلة، أبعد تركيا عن دول الجوار، وأوروبا، والولايات المتحدة، الآن تحاول روسيا المشاركة في صنع القرار حول الأزمة السورية، بالطبع حسب مصالحها، ومع اقتراب موعد الانتخابات سيتريث أردوغان كثيراً في اتخاذ أي قرار من شأنه يضر بشعبيته، وبخاصة أن شعبيته وصلت إلى الحضيض في الآونة الأخيرة.
احتلال عفرين كان من نتائج سوتشي 2018
 
في مؤتمر سوتشي الأول، الذي عقد في السابع عشر من أيلول من عام 2018، التقى بوتين وأردوغان، حيث كان من أهم مخرجاته، اتفاقية خفض التصعيد في بعض المناطق، والنقطة الأخرى الهامة نزع الأسلحة الثقيلة من جبهة النصرة في إدلب وما حولها، وأيضاً أقامت تركيا بموجبها 12 نقطة مراقبة؛ بحجة الحفاظ على الاستقرار، والوصول لتفاهمات سياسية لحل الأزمة السورية.
لكن تركيا هي من خالفت الاتفاقية ولم تلتزم بها، وتحججت بوجود خطر على أمنها القومي، وحدودها، وقررت الهجوم على عفرين في كانون الثاني من عام 2018، وبعد مقاومة تاريخية امتدت لما يقارب الشهرين احتلت تركيا مدينة عفرين، والكثير من المناطق المجاورة لها في نيسان من العام نفسه، بعد استخدامها صنوف الأسلحة المختلفة، بما فيها الطائرات، وبأعداد كبيرة.
وقد اشترطت روسيا على تركيا أن تلتزم، وتنفذ وعودها في إدلب خلال شهر من تاريخ عقد الاتفاقية، ولكن أردوغان لم يعر لشروط الاتفاقية أية أهمية، فحشد جيشه في إدلب لمواجهة قوات حكومة دمشق في حال حدوث أي تقدم لها بإدلب، وهذا العمل كان بمثابة ضربة لروسيا، التي التزمت الصمت حيال كل ما جرى.
احتلال سري كانيه وكري سبي قبل قمة 2019
 
 وقبل توقيع اتفاقية أخرى في سوتشي، توغل الجيش التركي المحتل ومرتزقته، وهاجم مناطق سري كانيه، وكري سبي في التاسع من تشرين الأول عام 2019، بعد الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي، الروسي المزدوج، لتحتل تركيا ومرتزقتها المدينتين، وعدداً من القرى التابعة لها، وعلى طول الحدود لما يقرب من مائة كم، وعمق حوالي ثلاثين كيلو متراً.
وفي الثالث والعشرين من تشرين الأول من عام 2019، وقع بوتين وأردوغان اتفاقية جديدة بعد عدة أيام من احتلال تركيا لسري كانيه، وكري سبي، وعلى ما يبدو كان الهجوم، وتسليم تلك المدن مخططا لهما من قبل، نتيجة المقايضات التي تحدث بين الحين والآخر، بين عدد من الأطراف للحفاظ على مصالحهم في المنطقة، ودون النظر لمصلحة الشعب السوري، وإشراكه في القرارات المصيرية الخاصة به.
اتفاقية جديدة بشأن إدلب في الخامس من آذار 2020
 
ودفع الإيرانيون والروس جيش الحكومة السورية باتجاه إدلب، لاستعادة عدد من المدن والبلدات المجاورة لإدلب، ليضعوا أنقرة امام امتحان صعب للغاية، وبخاصة تأثيرها على العلاقات الروسية التركية، وفي هذه الأثناء قصفت قوات دمشق جواً أماكن بالقرب من مدينة إدلب في 27 شباط من عام 2020، وكانت النتيجة مقتل 36 فرداً من جيش الاحتلال التركي، وهذا ما دفع أردوغان للقيام بزيارة إلى موسكو؛ ليتم التوقيع على اتفاقية جديدة بشأن إدلب في الخامس من آذار من العام نفسه.
وبعد التصعيد الكبير في إدلب؛ نتيجة الخروقات الكبيرة في اتفاقية وقف إطلاق النار، وأيضاً الهجمات التركية التي لم تنقطع يوماً على مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، اجتمع في سوتشي الرئيس الروسي بوتين مع أردوغان من جديد، لتهدئة الأوضاع في إدلب، وخاصة أن قوات حكومة دمشق كانت قد قررت الهجوم على مرتزقة تركيا في تلك المناطق، حيث طلب أردوغان من بوتين الإيعاز لقوات الحكومة السورية، إيقاف أي عملية عسكرية ضد المناطق المحتلة من قبل تركيا، ولم يخرج هذا الاجتماع بنتائج ملموسة كما سابقاتها، وبعدها هدد أردوغان كالعادة عند انتهاء كل اجتماع، باجتياح مناطق جديدة من شمال وشرق سوريا.
لقاء طهران الثلاثي وطلب معاداة الإدارة الذاتية
 
وقبل أن يجتمع الرئيسان بوتين وأردوغان في سوتشي، كان هناك لقاء في طهران، جمع رؤساء كل من إيران وروسيا وتركيا، حاول من خلالها أردوغان الحصول على الضوء الأخضر من روسيا وإيران؛ لشن هجوم جديد على شمال وشرق سوريا، ولكن الطلب التركي قوبل بالرفض القاطع من الدولتين، حيث قال المرشد الأعلى الإيراني: إن أي هجوم تركي سيحدث كارثة، وسيعقد الأمور في سوريا بشكل أكبر، ما سيؤدي إلى إعادة الأوضاع إلى نقطة الصفر”، وكذلك عارض الرئيس الروسي التهديدات التركية بشن هجوم على شمال وشرق سوريا، ليخرج أردوغان من الاجتماع خالي الوفاض يجر أذيال الخيبة في تحقيق ما أراد تحقيقه.
ولكن وبعد حوالي ثلاثة أسابيع، وعلى جناح السرعة، قرر الرئيسان التركي والروسي الاجتماع من جديد في سوتشي الروسية، في الخامس من شهر آب 2022، والسؤال هنا، لماذا قررا اللقاء من جديد، وخاصة أنهما التقيا في طهران قبل أيام قليلة؟ وما الجديد الممكن، التي تمخضت عنه قمة سوتشي، وهل كانت نتائج القمة إيجابية بين الطرفين؟
ففي قمة طهران لم تكن هناك نتائج عملية حول إدلب، ولا في شمال وشرق سوريا، حيث تم رفض أي هجوم، وأيضاً لم تتغير رؤية كل من روسيا وإيران عن تواجد تركيا، واحتلالها المدن السورية عموماً، وكان وزير خارجية تركيا قد اتّهم روسيا وإيران وأمريكا، في التهرب مما سماه بحربها ضد الإرهاب، وهو يقصد بذلك قوات سوريا الديمقراطية، والكل يعلم بأن تركيا هي الداعمة الأولى للإرهاب في المنطقة.
كما أنه عرض على موسكو بتقديم جميع أنواع الدعم لحكومة دمشق، بشرط كفها عن اتهام المجموعات المرتزقة بأنها إرهابية، وبالمقابل تتعاون مع تركيا في محاربة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وقواتها قوات سوريا الديمقراطية، وهذه النقطة الأهم، الذي ركز عليها أردوغان أيضا في محادثاته بسوتشي مع بوتين، بعدما أيقن بأن أي هجوم واسع النطاق على شمال وشرق سوريا بات بعيد المنال.
والذي حدث بعد قمة سوتشي الأخيرة، تأكد أن الطرفين اتفقا على ضرب استقرار، وأمن مناطق شمال وشرق سوريا، ولكن عبر نوع جديد من الهجمات عن طريق المدفعية، والصواريخ تارةً، وتارةً أخرى عن طريق الطائرات المسيرة، التي زادت من هجماتها على معظم مناطق شمال وشرق سوريا، وبخاصة بعد عودة أردوغان من سوتشي، لتستهدف المدنيين والعسكريين على حد سواء، والمدنيون كان معظمهم من الأطفال والنساء، والضوء الأخضر الروسي على الهجمات الأخيرة كان واضحاً.
وروسيا تحاول الاستفادة من ورقة التهديدات والهجمات التركية للضغط على الإدارة الذاتية بالتنازل لحكومة دمشق، وإعادة سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية.
الخلاص من هذا الواقع حرب الشعب الثورية
 
مع أن تركيا تعد في كل مرة، بأنها ستنفذ الاتفاقات الموقعة مع الطرف الروسي، لكنها تخرقها كل مرة، واتفاق سوتشي الأول، فيما يخص جبهة النصرة في إدلب خير دليل؛ لأن هدف تركيا الأول، هو تنفيذ مشاريعه الاستيطانية في شمال وشرق سوريا، حيث باتت تتحدث عن الميثاق الملي، وإعادة سوريا إلى عام 1920، والسيطرة على شمال وشرق سوريا، بما فيها حلب، والرقة، والموصل، والسليمانية، وهولير، لأنها تعدّ هذه المدن جزءا لا يتجزأ من الأراضي التركية، ووزير الداخلية التركي صويلو، يؤكد ذلك عندما يقول: “إن تحقيق الأمن والاستقرار في دمشق، وبغداد، وحلب، وطهران، واليمن، وليبيا، بل، وحتى البلقان والشرق الأوسط عموماً، هو من واجبنا ومسؤوليتنا التاريخية”.
وفي الخلاصة نقول: إنه ومهما كانت نتائج قمم سوتشي، وبخاصة القمة الأخيرة، التي تبين الجزء الأول منها بأنها تعادي الكرد وشعوب المنطقة، والدليل ازدياد وتيرة الهجمات وبخاصة عبر الطائرات المسيرة، التي أدت لاستشهاد وإصابة العشرات من المدنيين والعسكريين، فالكل يعلم بأنه في ظل سياسة اللامبالاة من قبل الدول العربية المعنية بالدرجة الأولى بحل الأزمة السورية، والمجتمع الدولي، الذي يقف موقف المتفرج من كل ما يحدث، فإن أردوغان لن يتراجع عن سياساته التوسعية، والاحتلالية في سوريا والمنطقة بشكل عام.
ونحن في شمال وشرق سوريا، ندين ونستنكر جميع المواقف الدولية تجاه الهجمات التركية بما فيها الموقف الروسي، الذي يبدو أنه كان السبب في الهجمات التركية الوحشية على معظم المدن والبلدات الحدودية، وغير الحدودية، وشعوبنا قررت المقاومة عبر حرب الشعب الثورية، والذود عن تراب الوطن، وعن المكاسب، التي تحققت بفضل دماء الآلاف من الشهداء، وهي لا تبالي بتلك الاتفاقيات، التي وقعتها الدول المهيمنة على المنطقة والتي تعادي العيش المشترك وتآخي الشعوب والحرية والديمقراطية، حيث أن شعوبنا اتحدت مع قواتها البطلة الجاهزة لصد أي عدوان ومهما كان الثمن.