يجوب الشاب مؤمن أبو ريدة أسواق غزة الشعبية، بين الحين والآخر، لجمع قطع خردة، ليحولها في ورشته الصغيرة بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، إلى كراسي متحركة، لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على تجاوز قلة الإمكانات، وعدم وفرة الوسائل في غزة.
بصوت صريح، يقول: “أحاول مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، ومساعدة نفسي في الوقت ذاته، إذ أوفر كراسي تُعين غير القادرين على شراء كراسي متحركة جديدة، وأحصّل مبلغاً رمزياً في هذه المسألة”، هكذا يلخص الشاب الفلسطيني مؤمن أبو ريدة (تسعة وعشرون عاماً) حكاية مشروع صناعة كراسي متحركة من إعادة تدوير قطع الخردة.
ولكن المحرك الأبرز، الذي دفعه إلى البدء في مشروعه الصغير، هو رؤيته لكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يعانون من عدم مقدرتهم على شراء كراسي متحركة جديدة، الأمر الذي عطلهم عن مواصلة حياتهم.
“حين رأيت ذلك، خطرت لي الفكرة، وسألت نفسي لماذا لا أحاول مساعدتهم ومساعدة نفسي؟”، يقول أبو ريدة مضيفاً: “أنه بدأ بعد ذلك، في التخطيط لمعرفة كيفية تجميع قطع الخردة من الأسواق، واستغلالها في صناعة كراسي متحركة”.
ويشرح مؤمن لوكالة هاوار: إن إنجاز “كرسي واحد يستغرق مدةً تصل إلى نحو أسبوعين من العمل، ويبيع الكرسي الجاهز مقابل 300/400 دولار، في وقت تصل أسعار الكراسي المتحركة الجديدة إلى أكثر من ألفي دولار”.
ويقول: إن المكونات والأجزاء، التي يبحث عنها عادة، ويستخدمها في عمله هي “كرسي مبطن بالإسفنج، محرك مستعمل على اختلاف أنواعه، والإطارات، والتروس، والأجزاء المعدنية، والأضواء، والأزرار”. مضيفاً: “إن عملية جمع هذه الأشياء من السوق متعبة، وتستغرق وقتاً وجهداً”.
وحسب حديثه، يصلح الكراسي لمساعدة المسنين، والمرضى، وذوي الاحتياجات الخاصة على التنقل وتأدية مهامهم اليومية، ويضيف: “على الأقل، أحاول مساعدتهم في تخطي أزماتهم، وهو الأمر الذي يبهجني”.
ومؤخراً، نجح الشاب في إعادة تصميم نموذج لسيارة كهربائية صغيرة، مبيناً أنه يسعى إلى تطوير هذا النوع، لأنه أكثر أماناً لكبار السن، ولذوي الاحتياجات الخاصة.
ويوضح أن معظم كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة في غزة، لا يستطيعون شراء كراسي متحركة وكهربائية، لعدم توفرها وارتفاع ثمنها، وينتظرون رحمة الجمعيات الخيرية، لذا “بدا الأمر الذي أقدمه وكأنه حل مؤقت، أو حل لأزمة، حتى يفرج الله على الجميع”، كما يقول.
ويتابع: “إن الكراسي ليست سريعة، لذا لا تعرض أي شخص يستخدمها للخطر، بل أتأكد بشكل حثيث من درجة أمانها؛ لأن ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، فئة لا تحتمل أي مخاطرة”.
وإلى جانب ذلك، يصنع الشاب الفلسطيني نماذج مصغرة لكراسي متحركة وعربات للأطفال، مشيراً إلى أن هذه المسألة، لاقت تكريماً من الكثير من أبناء منطقته، لأنه ساعد الأطفال الذي يعانون من أزمات تمنعهم من المشي على مواصلة حياتهم إلى حد ما، وأدخل البهجة إلى قلوبهم.
إن الأمر مرهق، ويحتاج إلى عمل كبير، يقول مؤمن، مستدركاً: “لكني سأستمر، وأطمح أن أوسع هذه الورشة، حتى تصبح شيئاً كبيراً، وأن أتمكن من صناعة كراسي، وعربات متحركة بجودة عالية، وقيمة مادية منخفضة، أتمنى أن يلقى مشروعي دعماً من الجهات المختصة في غزة”.
ويعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة من نقص كبير في الرعاية، وفي توفير المتطلبات الضرورية لهم، إثر تهميش الجهات المختصة، والرسمية في غزة لمطالبهم، وإثر الحصار الإسرائيلي للقطاع، والمستمر منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، والذي يمنع إدخال المستلزمات التقنية، التي يحتاجها ذوو الاحتياجات الخاصة، كالبطاريات، والكراسي المتحركة، وغيرها من الوسائل التي تعينهم على ممارسة نشاطاتهم في الحياة، وعدم عرقلتها.
